@ 502 @ وغصب المال . فأما نوازل الأحكام التي لا تظالم ، ويتسلط عليهم في تغيير ، ومن ذلك جنس السلع المبيعة وغصب المال . فأما نوازل الأحكام التي لا تظالم فيها ، وإنما هي دعاء ومحتملة ، فهي التي يخير فيها الحاكم انتهى . وفيه بعض تلخيص . وظاهر الآية يدل على مجيء المتداعيين إلى الحاكم ، ورضاهما يحكمه كاف في الإقدام على الحكم بينهما . وقال ابن القاسم : لا بد مع ذلك من رضا الأساقفة والرهبان ، فإنْ رضي الأساقفة دون الخصمين ، أو الخصمان دون الأساقفة ، فليس له أن يحكم . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، والزهري ، وغيرهم : فإن جاؤوك يعني أهل نازلة الزانيين ، ثم الآية تتناول سائر النوازل . وقال قوم : في قتيل اليهود من قريظة والنضير . وقال قوم : التخيير مختص بالمعاهدين لازمة لهم . ومذهب الشافعي : أنه يجب على حاكم المسلمين أن يحكم بين أهل الذمة إذا تحاكموا إليه ، لأنّ في إمضاء حكم الإسلام عليهم صغاراً لهم ، فأما المعاهدون الذين لهم مع المسلمين عهد إلى مدة فليس بواجب عليه أن يحكم بينهم ، بل يتخير في ذلك ، وهو التخيير الذي في الآية وهو مخصوص بالمعاهدين . وروي عن الشافعي مثل قول عطاء والنخعي . .
{ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً } أي أنت آمن من ضررهم ، منصور عليهم على كل حال . وكانوا يتحاكمون إليه لطلب الأيسر والأهون عليهم ، فالجلد مكان الرجم ، فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومة بينهم شق عليهم وتكرهوا إعراضه عنهم ، وكانوا خلقاء بأن يعادوه ويضروه ، فأمنه الله منهم ، وأخبره أنهم ليسوا قادرين على شيء من ضرره . .
{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ } أي : وإن أردت الحكم بالقسط بالعدل كما تحكم بين المسلمين . والقسط : هو المبين في قوله : { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ } ، وهو صلى الله عليه وسلم ) لا يحكم إلا بالقسط ، فهو أمر معناه الخبر أي : فحكمك لا يقع إلا بالعدل ، لأنك معصوم من اتباع الهوى . .
{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } وأنت سيدهم ، فمحبته إياك أعظم من محبته إياهم . وفيه حث على توخي القسط وإيثاره ، حيث ذكر الله أنه يحب من اتصف به . .
{ وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ } هذا تعجيب من تحكيمهم إياه مع أنهم لا يؤمنون به ولا بكتابه . وفي كتابهم الذي يدعون الإيمان به حكم الله تعالى نص جلي ، فليسوا قاصدين حكم الله حقيقة ، وإنما قصدوا بذلك أن يكون عنده صلى الله عليه وسلم ) رخصة فيما تحاكموا إليه فيه اتباعاً لأهوائهم ، وأنهماكاً في شهواتهم . ومن عدل عن حكم الله في كتابه الذي يدعي أنه مؤمن به إلى تحكيم من لا يؤمن به ولا بكتابه ، فهو لا يحكم إلا رغبة فيما يقصده من مخالفة كتابه . وإذا خالفوا كتابهم لكونه ليس على وفق شهواتهم ، فلأنْ يخالفوك إذا لم توافقهم أولى وأحرى . والواو في : وعندهم ، للحال وعندهم التوراة مبتدأ وخبر ، وقوله : فيها . حكم الله ، حال من التوراة ، وارتفع حكم على الفاعلية بالجار والمجرور أي : كائناً فيها حكم الله . ويجوز أن يكون فيها في موضع رفع خبراً عن التوراة كقولك : وعندهم التوراة ناطقة بحكم الله . وأو لا محل له ، وتكون جملة مبينة ، لأن عندهم ما يغنيهم عن التحكيم كما تقول : عندك زيد ينصحك ويشير عليك بالصواب فما تصنع بغيره ؟ وهذان الإعرابان للزمخشري . .
{ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذالِكَ } أي من بعد تحكيمك الموافق لما في كتابهم ، لأن التعجيب من التحكيم إنما كان بعد صدوره منهم ، ثم تولوا عنه ولم يرضوا به . وقال ابن عطية : من بعد ذلك ، أي من بعد حكم الله في التوراة وما أشبهه من الأمور التي خالفوا فيها أمر الله انتهى . وهذه الجملة مستأنفة أي : ثم هم يتولون بعد . وهي أخبار من الله بتوليهم على عادتهم في أنهم إذا وضح لهم الحق أعرضوا عنه وتولوا . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : علام عطف ثم يتولون ؟ ( قلت ) : على يحكمونك انتهى . ويكون إذ ذاك داخلاً في الاستفهام الذي يراد به التعجب ، أي ثمّ كيف يتولون بعد ذلك ، فيكون قد تعجب من تحكيمهم إياه ، ثم من توليهم عنه . أي : كيف رضوا به ثم سخطوه ؟ . .
{ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } ظاهره نفي الإيمان عنهم ، أي : من حكم الرسول ، وخالف كتابه ، وأعرض عما حكم له ، إذ وافى كتابه فهو كافر . وقيل : هو إخبار عنهم أنهم لا يؤمنون