@ 470 @ إن كان الارتداد حقيقياً وهو الرجوع إلى المكان الذي خرج منه فمعناه : يصيرون إلى الذل بعد العز والخلاص من أيدي القبط . وإن كان الارتداد مجازاً وهو ارتدادهم عن دينهم فمعناه : يخسرون خير الدنيا وثواب الآخرة . وحقيق بالخسران مَن خالف ما فرضه الله عليه من الجهاد وخالف أمره . .
{ قَالُواْ يأَبَانَا * مُوسَى أَنِ * فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } أي : قال النقباء الذين سيرهم موسى لكشف حال الجبابرة ، أو قال رؤساؤهم الذين عادتهم أن يطلعوا على الأسرار وأن يشاوروا في الأمور . وهذا القول فيه بعد لتقاعسهم عن القتال أي : أنّ فيها من لا نطيق قتالهم . قيل : هم من بقايا عاد ، وقيل : من الروم من ولد عيص بن إسحاق . وقرأ ابن السميقع : قالوا يا موسى فيها قوم جبارون . .
{ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا } هذا تصريح بالامتناع التام من أن يقاتلوا الجبابرة ، ولذلك كان النفي بلن . ومعنى حتى يخرجوا منها : بقتال غيرنا ، أو بسبب يخرجهم الله به فيخرجون . .
{ فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا داخِلُونَ } وهذا توجيه منهم لأنفسهم بخروج الجبارين منها ، إذ علقوا دخولهم على شرط ممكن وقوعه . وقال أكثر المفسرين : لم يشكوا فيما وعدهم الله به ، ولكن كان نكوصهم عن القتال من خور الطبيعة والجبن الذي ركبه الله فيهم ، ولا يملك ذلك إلا من عصمه الله وقال تعالى : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمْ } . وقيل قالوا ذلك على سبيل الاستبعاد أن يقع خروج الجبارين منها كقوله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط . .
{ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ } الأشهر عند المفسرين أنّ الرجلين هما يوشع بن نون بن افراثيم بن يوسف وهو ابن أخت موسى ، وكالب بن يوقنا ختن موسى على أخته مريم بنت عمران ويقال فيه : كلاب ، ويقال : كالوب ، وهما اللذان وفيا من النقباء الذين بعثهم موسى في كشف أحوال الجبابرة فكتما ما اطلعا عليه من حال الجبابرة إلا عن موسى ، وأفشى ذلك بقية النقباء في أسباطهم فآل بهم ذلك إلى الخور والجبن بحيث امتنعوا عن القتال . وقيل : الرجلان كانا من الجبارين آمنا بموسى واتبعاه ، وأنعم الله عليهما بالإيمان . فإن كان الرجلان هما يوشع وكالب فمعنى قوله : يخافون ، أي : يخافون الله ، ويكون إذ ذاك مع موسى أقوام يخافون الله فلا يبالون بالعدو لصحة إيمانهم وربط جأشهم ، وهذان منهم . أو يخافون العدو ، ولكن أنعم الله عليهما بالإيمان والثبات ، أو يخافهم بنو إسرائيل فيكون الضمير في يخافون عائداً على بني إسرائيل ، والضمير الرابط للصلة بالموصول محذوفاً تقديره : من الذين يخافونهم أي : يخافهم بنو إسرائيل . ويدل على هذا التأويل قراءة ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد ، يخافون بضم الياء . وتحتمل هذه القراءة أن يكون الرجلان يوشع وكالب . ومعنى يخافون أي : يهابون ويوقرون ويسمع كلامهم لتقواهم وفضلهم ، ويحتمل أن يكون من أخاف أي يخيفون : بأوامر الله ونواهيه وزجره ووعيده ، فيكون ذلك مدحاً لهم كقوله { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } والجملة من أنعم الله عليهما صفة لقوله : رجلان ، وصفا أولاً بالجار والمجرور ، ثم ثانياً بالملة . وهذا على الترتيب الأكثر في تقديم المجرور أو الظرف على الجملة إذا وصفت بهما ، وجوز أن تكون الجملة حالاً على إضمار قد ، وأن تكون اعتراضاً ، فلا يكون لها موضع من الإعراب . وفي قراءة عبد الله . أنعم الله عليهما ويلكم ادخلوا عليهم الباب . والباب : باب مدينة الجبارين ، والمعنى : اقدموا على الجهاد وكافحوا حتى تدخلوا عليهم الباب ، وهذا يدل على أنّ موسى كان قد أنزل محلته قريباً من المدينة . .
{ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } قالا ذلك ثقة بوعد الله في قوله : { الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } . وقيل : رجاء لنصر الله رسله ، وغلب ذلك على ظنهم . وما غزى قوم في عقر ديارهم إلا ذلوا ، وإذا لم يكونوا حافظي باب مدينتهم حتى دخل وهو المهم ، فلأن لا يحفظوا ما وراء الباب أولى . وعلى قول أنّ الرجلين كانا من الجبارين فقيل : إنهما قالا لهم :