@ 466 @ أي : نحن أشياع الله ابني الله عزير والمسيح ، كما قيل لأشياع أبي خبيب عبد الله بن الزبير الخبيبيون ، وكما كان يقول رهط مسلمة : نحن أبناء الله ، ويقول أقرباء الملك وحشمه : نحن الملوك . وأحباؤه جمع حبيب فعيل بمعنى مفعول ، أي محبوبوه ، أجرى مجرى فعيل من المضاعف الذي هو اسم الفاعل نحو : لبيب وألباء . وقائل هذه المقالة : بعض اليهود الذين كانوا بحضرة الرسول ، فنسب إلى الجميع لأنّ ما وقع من بعض قد ينسب إلى الجميع . قال الحسن : يعنون في القرب منه أي : نحن أقرب إلى الله منكم له ، يفخرون بذلك على المسلمين . قال ابن عياش : هم طائفة من اليهود خوفهم الرسول عقاب الله فقالوا : أتخوفنا بالله ونحن أبناء الله وأحباؤه ؟ وروي أيضاً عن ابن عباس : أن يهود المدينة كعب بن الأشرف وغيره من نصارى نجران السيد والعاقب ، خاصموا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، فعيرهم الصحابة بالكفر وغضب الله عليهم ، فقالت اليهود : إنما غضب الله علينا كما يغضب الرّجل على ولده ، نحن أبناء الله وأحباؤه . هذا قول اليهود ، وأما النصارى فإنهم زعموا أنّ عيسى قال لهم : اذهبوا إلى أبي وأبيكم . .
{ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم } أي إن كنتم كما زعمتم ، فلم يعذبكم بذنوبكم ؟ وكانوا قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ) في غير ما موطن : نحن ندخل النار فنقيم فيها أربعين يوماً ، ثم تخلفوننا فيها . والمعنى : لو كانت منزلتكم منه فوق منزلة البشر لما عذبكم ، وأنتم قد أقررتم أنه يعذبكم ، وهذا على أنّ العذاب هو في الآخرة . ويحتمل أن يريد به العذاب في الدّنيا بمسخ آبائهم على تعديهم في السبت ، وبقتل أنفسهم على عبادة العجل ، وبالتيه على امتناعهم من قتال الجبارين ، وبافتضاح من أذنب منهم بأن يصبح مكتوباً على بابه ذنبه وعقوبته عليه فتنفذ فيهم ، والإلزام بكلا التعذيبين صحيح . أما الأول فلإقرارهم أن ذلك سيقع ، وأما الآخر فلوقوع ذلك فيما مضى لا يمكن إنكار شيء منه . والاحتجاج بما وقع أقوى . وخرَّج الزمخشري التعذيبين : الدنيوي ، والأخراوي في كلامه ، وأشرب تفسير الآية بشيء من مذهبه الاعتزالي ، وحرف التركيب القرآني على عادته ، فقال : إن صح أنكم أبناء الله وأحباؤه ، فلم تذنبون وتعذبون بذنوبكم فتمسخون ، وتمسكم النار في أيام معدودات على زعمكم ؟ ولو كنتم أبناء الله لكنتم من جنس الأب غير فاعلين للقبائح ، ولا مستوجبين للعذاب . ولو كنتم أحباءه لما عصيتموه ، ولما عاقبكم انتهى . ويظهر من قوله : ولو كنتم أحباءه لما عصيتموه ، أن يكون أحباؤه جمع حبيب بمعنى محب ، لأن المحب لا يعصي من يحبه ، بخلاف المحبوب فإنه كثيراً ما يعصي محبه . وقال القشيري : البنوّت تقتضي المحبة ، والحق منزه عنها ، والمحبة التي بين المتجانسين تقتضي الاختلاط والمؤانسة ، والحق مقدس عن ذلك ، والمخلوق لا يصلح أن يكون بعضاً للقديم ، والقديم لا بعض له ، لأن الأحدية حقه ، وإذا لم يكن له عدد لم يجز أن يكون له ولد ، وإذا لم يكن له ولد لم يجز على الوجه الذي اعتقدوه أن بينهم وبينه محبة . .
{ بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } أضرب عن الاستدلال من غير إبطال له إلى استدلاله آخر من ثبوت كونهم بشراً من بعض من خلق ، فهم مساوون لغيرهم في البشرية والحدوث ، وهما يمنعان البنوة . فإنّ القديم لا يلد بشراً ، والأب لا يخلق ابنه ، فامتنع بهذين الوجهين البنوة ، وامتنع بتعذيبهم أن يكونوا أحباء الله ، فبطل الوصفان اللذان ادعوهما . .
{ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أي يهديه للإيمان فيغفر له . .
{ وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } أي يورطه في الكفر فيعذبه ، أو يغقر لمن يشاء وهم أهل الطاعة ، ويعذب من يشاء وهم العصاة . قاله الزمخشري . وفيه شيء من دسيسة الاعتزال ، لأنّ من العصاة عندنا من لا يعذبه الله تعالى بل يغفر له . وقيل : المعنى أنه ليس لأحد عليه حق يوجب أن يغفر له ، أو يمنعه أن يعذبه ، ولذلك عقبه بقوله : .
{ وَللَّهِ مُلْكُ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * وَمَا بَيْنَهُمَا } فله التصرف التام يفعل ما يشاء لا معقب