@ 460 @ بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراماً عظاماً وقوة وشوكة ، فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم ، وقد نهاهم موسى أن يحدثوهم ، فنكثوا الميثاق ، إلا كالب بن يوقنا من سبط يهودا ، ويوشع بن نون من سبط أفراثيم بن يوسف وكانا من النقباء . وذكر محمد بن حبيب في المحبر أسماء هؤلاء النقباء الذين اختارهم موسى في هذه القصة بألفاظ لا تنضبط حروفها ولا شكلها ، وذكرها غيره مخالفة في أكثرها لما ذكره ابن حبيب لا ينضبط أيضاً . وذكروا من خلق هؤلاء الجبارين وعظم أجسامهم وكبر قوالبهم ما لا يثبت بوجه ، قالوا وعدد هؤلاء النقباء كان بعدد النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من السبعين رجلاً والمرأتين الذين بايعوه في العقبة الثانية ، وسماهم : النقباء . .
{ وَقَالَ اللَّهُ إِنّى مَعَكُمْ } أي بالنصر والحياطة . وفي هذه المعية دلالة على عظم الاعتناء والنصرة ، وتحليل ما شرطه عليهم مما يأتي بعد ، وضمير الخطاب هو لبني إسرائيل جميعاً . وقال الربيع : هو خطاب للنقباء ، والأول هو الراجح لانسحاب الأحكام التي بعد هذه الجملة على جميع بني إسرائيل . .
{ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلواةَ وَءاتَيْتُمْ الزَّكَواةَ وَءامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لاكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَلاَدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ } اللام في لئن أقمتم هي المؤذنة بالقسم والموطئة بما بعدها ، وبعد أداة الشرط أن يكون جواباً للقسم ، ويحتمل أن يكون القسم محذوفاً ، ويحتمل أن يكون لأكفرن جواباً لقوله : ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ، ويكون قوله : وبعثنا والجملة التي بعده في موضع الحال ، أو يكونان جملتي اعتراض ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه . وقال الزمخشري : وهذا الجواب يعني لأكفرنّ ، ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً انتهى . وليس كما ذكر لا يسدّ وكفرن مسدَّهما ، بل هو جواب القسم فقط ، وجواب الشرط محذوف كما ذكرنا . والزكاة هنا مفروض من المال كان عليهم ، وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : وأعطيتم من أنفسكم كل ما فيه زكاة لكم حسبما ندبتم إليه قاله : ابن عطية . والأول وهو الراجح . .
وآمنتم برسلي ، الإيمان بالرسل هو التصديق بجميع ما جاؤا به عن الله تعالى . وقدّم الصلاة والزكاة على الإيمان تشريفاً لهما ، وقد علم وتقرر أنه لا ينفع عمل إلا بالإيمان قاله : ابن عطية . وقال أبو عبد الله الرازي : كان اليهود مقرين بحصول الإيمان مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وكانوا مكذبين بعض الرسل ، فذكر بعدهما الإيمان بجميع الرسل ، وأنه لا تحصل نجاة إلا بالإيمان بجميعهم انتهى ملخصاً . وقرأ الحسن : برسلي بسكون السين في جميع القرآن ، وعزرتموهم . وقرأ عاصم الجحدري : وعزرتموهم خفيفة الزاي . وقرأ في الفتح : { وَتُعَزّرُوهُ } فتح التاء وسكون العين وضم الزاي ، ومصدره العزر . وأقرضتم الله قرضاً حسناً : إيتاء الزكاة هو في الواجب ، وهذا القرض هو في المندوب . ونبه على الصدقات المندوبة بذكرها فيما يترتب على المجموع تشريفاً وتعظيماً لموقعها من النفع المتعدي . قال الفراء : ولو جاء إقراضاً لكان صواباً ، أقيم الاسم هنا مقام المصدر كقوله تعالى : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } لم يقل بتقبيل ولا إنباتاً انتهى . وقد فسر هذا الإقراض بالنفقة في سبيل الله ، وبالنفقة على الأهل ، وبالزكاة . وفيه بعد ، لأنه تكرار . ووصفه بحسن إما لأنه لا يتبع بمن ولا أذى ، وأما لأنه عن طيب نفس . لأكفرن عنكم سيآتكم ولأدخلنكم جنات : رتب على هذه الخمسة المشروطة تكفير السيآت ، وذلك إشارة إلى إزالة العقاب ، وإدخال الجنات ، وذلك إشارة إلى إيصال الثواب . .
{ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذالِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } أي بعد ذلك الميثاق المأخوذ والشرط المؤكد فقد أخطأ الطريق المستقيم . وسواء السبيل وسطه وقصده المؤدي إلى القصد ، وهو الذي شرعه الله . وتخصيص الكفر بتعدية أخذ الميثاق وإن كان قبله ضلالاً عن الطريق المستقيم ، لأنه بعد الشرط المؤكد بالوعد الصادق الأمين العظيم أفحش وأعظم ، إذ يوجب أخذ الميثاق الإيفاء به ، لا سيما بعد هذا الوعيد عظم الكفر هو بعظم النعمة المكفورة . .
{ فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ } تقدم الكلام على مثل هذه الجملة . .
{ لَعنَّاهُمْ } أي طردناهم وأبعدناهم من الرحمة قاله : عطاء والزجاج . أو عذبناهم بالمسح قردة وخنازير كما قال