@ 436 @ْ فَاصْطَادُواْ } تضمن آخر قوله : أحلت لكم تحريم الصيد حالة الإحرام ، وآخر قوله : لا تحلوا شعائر الله ، النهي عن إحلال آمي البيت ، فجاءت هذه الجملة راجعاً حكمها إلى الجملة الأولى ، وجاء ما بعدها من قوله : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } راجعاً إلى الجملة الثانية ، وهذا من بليغ الفصاحة . فليست هذه الجملة اعتراضاً بين قوله : ولا آمين البيت الحرام ، وقوله : ولا يجرمنكم ، بل هي مؤسسة حكماً لا مؤكدة مسددة فتكون اعتراضاً ، بل أفادت حل الاصطياد في حال الإحرام . ولا تقديم ولا تأخير هنا ، فيكون أصل التركيب : ولا آمين البيت الحرام بيتغون فضلاً من ربهم ورضواناً ولا يجرمنكم ، كما ذهب إليه بعضهم وجعل من ذلك قصة ذبح البقرة ، فقال : وجه النظر أن يقال : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا } الآية ثم يقال : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ } وكثيراً ما ذكر هذا الرجل التقديم والتأخير في القرآن ، والعجب منه أنه يجعله من علم البيان والبديع ، وهذا لا يجوز عندنا إلا في ضرورة الشعر ، وهو من أقبح الضرائر ، فينبغي بل يجب أن ينزه القرآن عنه . .
قال : والسبب في هذا أن الصحابة لما جمعوا القرآن لم يرتبوه على حكم نزوله ، وإنما رتبوه على تقارب المعاني وتناسق الألفاظ ، وهذا الذي قاله ليس بصحيح ، بل الذي نعتقد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هو الذي رتبه لا الصحابة ، وكذلك نقول في سورة وإن خالف في ذلك بعضهم . والأمر بالاصطياد هنا أمر إباحة بالإجماع ، ولهذا قال الزمخشري : وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا انتهى . ولما كان الاصطياد مباحاً ، وإنما منع منه الإحرام ، وإذا زال المانع عاد إلى أصله من الإباحة . وتكلموا هنا على صيغة الأمر إذا جاءت بعد الحظر ، وعليها إذا جاءت مجردة عن القرائن ، وعلى ما تحمل عليه ، وعلى واقع استعمالها ، وذلك من علم أصول الفقه فيبحث عن ذلك فيه . .
وقرىء : وإذا أهللتم بل هو كذلك انظر المخشري وهي لغة يقال : حل من إحرامه وأحل . وقرأ أبو واقد ، والجراح ، ونبيح ، والحسن بن عمران : فاصطادوا بكسر الفاء . قال الزمخشري : قيل هو بدل من كسر الهمزة عند الابتداء . وقال ابن عطية : وهي قراءة مشكلة ، ومن توجيهها أن يكون راعي كسر ألف الوصل إذا بدأت فقلت : اصطادوا بكسر الفاء مراعاة وتذكرة لأصل ألف الوصل انتهى . وليس عندي كسراً محضاً بل هو من باب الإمالة المحضة لتوهم وجود كسرة همزة الوصل ، كما أمالوا الفاء في ، فإذا لوجود كسرة إذا . .
{ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ } قال ابن عباس وقتادة : ولا يجرمنكم أي لا يحملنكم ، يقال : جرمني كذا على بغضك . فيكون أنْ تعتدوا أصله على أن تعتدوا ، وحذف منه الجار . وقال قوم : معناها كسب التي تتعدى إلى اثنين ، فيكون أن تعتدوا في موضع المفعول الثاني أي : اعتداؤكم عليكم . وتتعدى أيضاً إلى واحد تقول : أجرم بمعنى كسب المتعدّية لاثنين ، يقال في معناها : جرم وأجرم . وقال أبو علي : أجرم أعرفه الكسب في الخطايا والذنوب . وقرأ الحسن ، وابراهيم . وابن وثاب ، والوليد عن يعقوب : يجرمنكم بسكون النون ، جعلوا نون التوكيد خفيفة . .
قال الزمخشري : والمعنى لا يكسبنكم بغض قوم ، لأنّ صدوكم الاعتداء ، ولا يحملنكم عليه انتهى . وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ، لأنه يمتنع أن يكون مدلول حمل وكسب في استعمال واحد لاختلاف مقتضاهما ، فيمتنع أن يكون : أن تعتدوا في محل مفعول به ، ومحل مفعول على إسقاط حرف الجر . .
وقرأ النحويان وابن كثير ، وحمزة ، وحفص ، ونافع : شنآن بفتح النون . وقرأ ابن عامر وأبو بكر بسكونها ، ورويت عن نافع . والأظهر في الفتح أن يكون مصدراً ، وقد كثر مجيء المصدر على فعلان ، وجوزوا أن يكون وصفاً وفعلان في الأوصاف موجود نحو قولهم : حمار قطوان أي : عسير السير ، وتيس عدوان