@ 431 @ الآية من جعلهم غير محلى الصيد حالاً من المأمورين بإيفاء العقود ، أو من المحلل لهم ، أو من المحلل وهو الله تعالى ، أو من المتلو عليهم . وغرّهم في ذلك كونه كتب محلى بالياء ، وقدّره هم أنه اسم فاعل من أحل ، وأنه مضاف إلى الصيد إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول ، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة . وأصله : غير محلين الصيد وأنتم حرم ، إلا في قول من جعله حالاً من الفاعل المحذوف ، فلا يقدر فيه حذف النون ، بل حذف التنوين . وإنما يزول الإشكال ويتضح المعنى بأن يكون قوله : محلى الصيد ، من باب قولهم : حسان النساء . والمعنى : النساء الحسان ، وكذلك هذا أصله غير الصيد المحل . والمحل صفة للصيد لا للناس ، ولا للفاعل المحذوف . ووصف الصيد بأنه محل على وجهين : أحدهما : أنْ يكون معناه دخل في الحل كما تقول : أحل الرّجل أي : دخل في الحل ، وأحرم دخل في الحرم . والوجه الثاني : أن يكون معناه صار ذا حل ، أي حلالاً بتحليل الله . وذلك أن الصيد على قسمين : حلال ، وحرام . ولا يختص الصيد في لغة العرب بالحلال . ألا ترى إلى قول بعضهم : إنه ليصيد الأرانب حتى الثعالب لكنه يختص به شرعاً ؟ وقد تجوزت العرب فأطلقت الصيد على ما يوصف بحل ولا حرمة نحو قوله : % ( ليث بعثر يصطاد الرجال إذا % .
ما كذب الليث عن أقرانه صدقا .
) % .
وقال آخر : % ( وقد ذهبت سلمى بعقلك كله % .
فهل غير صيد أحرزته حبائله .
) % .
وقال آخر : % ( وميّ تصيد قلوب الرّجال % .
وأفلت منها ابن عمر وحجر .
) % .
ومجيء أفعل على الوجهين المذكورين كثير في لسان العرب . فمن مجيء أفعل لبلوغ المكان ودخوله قولهم : أحرم الرّجل ، وأعرق ، وأشأم ، وأيمن ، وأتهم ، وأنجد إذا بلغ هذه المواضع وحل بها . ومن مجيء أفعل بمعنى صار ذا كذا قولهم : أعشبت الأرض ، وأبقلت ، وأغد البعير ، وألبنت الشاة ، وغيرها ، وأجرت الكلبة ، وأصرم النخل ، وأتلت الناقة ، وأحصد الزرع ، وأجرب الرّجل ، وأنجبت المرأة . وإذا تقرر أنّ الصيد يوصف بكونه محلاً باعتبار أحد الوجهين المذكورين من كونه بلغ الحلّ ، أو صار ذا حل ، اتضح كونه استثناء من استثناء ، إذ لا يمكن ذلك لتناقص الحكم . لأنّ المستثنى من المحلل محرم ، والمستثنى من المحرم محلل . بل إن كان المعنى بقوله : بهيمة الأنعام ، الأنعام أنفسها ، فيكون استثناء منقطاً . وإن كان المراد الظباء وبقر الوحش وحمره ونحوها ، فيكون استثناء متصلاً على أحد تفسيري المحل ، استثنى الصيد الذي بلغ الحل في حل كونهم محرمين . ( فإن قلت ) : ما فائدة الاستثناء بقيد بلوغ الحل والصيد الذي في الحرم لا يحل أيضاً ؟ ( قلت ) : الصيد الذي في الحرم لا يحل للمحرم ولا لغير المحرم ، وإنما يحل لغير المحرم الصيد الذي في الحل ، فنبه بأنه إذا كان الصيد الذي في الحل يحرم على المحرم ، وإن كان حلالاً لغيره ، فأحرى أن يحرم عليه الصيد الذي هو بالحرم . وعلى هذا التفسير يكون قوله : إلا ما يتلى عليكم ، إن كان المراد به ما جاء بعده من قوله : حرمت عليكم الميتة الآية ، استثناء منقطعاً ، إذ لا يختص الميتة وما ذكر معها بالظباء وحمر الوحش وبقره ونحوها ،