@ 250 @ الوقود مبالغة ، كما يقول : فلان فخر بلده ، وهذه النار ممتازة عن غيرها بأنها تتقد بالناس والحجارة ، وهما نفس ما يحرق ، وظاهر هذا الوصف أنها نار واحدة ولا يدل على أنها نيران شتى قوله تعالى : { قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } ، ولا قوله تعالى : { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى } ، لأن الوصف قد يكون بالواقع لا للامتياز عن مشترك فيه ، والناس يراد به الخصوص ممن شاء الله دخولها ، وإن كان لفظه عاماً ، والحجارة الأصنام ، وكانا وقوداً للنار مقرونين معاً ، كما كانا في الدنيا حيث نحتوها وعبدوها آلهة من دون الله . ويوضحه قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } ، أو حجارة الكبريت ، روي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن جريج . واختصت بذلك لما فيه من سرعة الالتهاب ، ونتن الرائحة ، وعظم الدخان ، وشدة الالتصاق بالبدن ، وقوة حرها إذا حميت . وقيل : هو الكبريت الأسود ، أو حجارة مخصوصة أعدت لجهنم ، إذا اتقدت لا ينقطع وقودها . وقيل : إن أهل النار إذا عيل صبرهم بكوا وشكوا ، فينشىء الله سحابة سوداء مظلمة ، فيرجون الفرج ، ويرفعون رؤوسهم إليها ، فتمطر عليهم حجارة عظاماً كحجارة الرحى ، فتزداد النار إيقاداً والتهاباً أذ الحجارة ما اكتنزوه من الذهب والفضة تقذف معهم في النار ويكوون بها . وعلى هذه الأقوال لا تكون الألف واللام في الحجارة للعموم بل لتعريف الجنس . وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تجوز أن تكون لاستغراق الجنس ، ويكون المعنى أن النار التي وعدوا بها صالحة لأن تحرق ما ألقي فيها من هذين الجنسين ، فعبر عن صلاحيتها واستعدادها بالأمر المحقق ، قال : وإنما ذكر الناس والحجارة تعظيماً لشأن جهنم وتنبيهاً على شدّة وقودها ، ليقع ذلك من النفوس أعظم موقع ، ويحصل به من التخويف ما لا يحصل بغيره ، وليس المراد الحقيقة . .
وما ذهب إليه هذا الذاهب من أن هذا الوصف هو بالصلاحية لا بالفعل غير ظاهر ، بل الظاهر أن هذا الوصف واقع لا محالة بالفعل ، ولذلك تكرر الوصف بذلك ، وليس في ذلك أيضاً ما يدل على أنها ليس فيها غير الناس والحجارة ، بدليل ما ذكر في غير موضع من كون الجن والشياطين فيها ، وقدم الناس على الحجارة لأنهم العقلاء الذين يدركون الآلام والمعذبون ، أو لكونهم أكثر إيقاداً للنار من الجماد لما فيهم من الجلود واللحوم والشحوم والعظام والشعور ، أو لأن ذلك أعظم في التخويف . فإنك إذا رأيت إنساناً يحرق ، أقشعرّ بدنك وطاش لبك ، بخلاف الحجر . قال ابن عطية : وفي قوله تعالى : { أُعِدَّتْ } ردّ على من قال : إن النار لم تخلق حتى الآن ، وهو القول الذي سقط فيه منذر بن سعيد ، انتهى كلامه . ومعناه أنه زعم أن الإعداد لا يكون إلا للموجود ، لأن الإعداد هو التهيئة والإرصاد للشيء ، قال الشاعر : .
أعددت للحدثان سابغة وعداءً علندا .
أي هيأت . قالوا : ولا يكون ذلك إلا للموجود . قال بعضهم : أو ما كان في معنى الموجود نحو قوله تعالى : { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } . ومنذر الذي ذكره ابن عطية كان يعرف بالبلوطي ، وكان قاضي القضاة بالأندلس ، وكان معتزلياً في أكثر الأصول ظاهرياً في الفروع ، وله ذكر ومناقب في التواريخ ، وهو أحد رجالات الكمال بالأندلس . وسرى إليه ذلك القول من قول كثير من المعتزلة ، وهي مسألة تذكر في أصول الدين وهو : أن مذهب أهل