@ 393 @ نجوا ، فإذا جاؤوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق ، ونهض المؤمنون . وذلك قول المنافقين : انظرونا نقتبس من نوركم وذلك هو الخداع الذي يجري على المنافقين . .
وقال الزمخشري : وهو خادعهم ، وهو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع ، حيث تركهم معصومين الدماء والأموال في الدنيا ، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة ، ولم يخلهم في العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب دائم . والخادع من خدعته إذا غلبته ، وكنت أخدع منه انتهى . وبعضه مسترق من كلام الزجاج . قال الزجاج : لما أمر بقبول ما أظهروا كان خادعاً لهم بذلك . وقرأ مسلمة بن عبد الله النحوي : خادعْهم بإسكان العين على التخفيف ، واستثقال الخروج من كسر إلى ضم . وهذه الجملة معطوفة على خبر إن . وقال أبو البقاء : هو في موضع الحال . .
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } أي متوانين لا نشاط لهم فيها ، لأنهم إنما يصلون تستراً وتكلفاً ، وينبغي للمؤمن أن يتحرز من هذه الخصلة التي ذمّ المنافقون ، وأن يقبل إلى صلاته بنشاط وفرغ قلب وتمهل في فعلها ، ولا يتقاعس عنها فعل المنافق الذي يصلي على كرهٍ لاعن طيب نفس ورغبة . وما زال في كل عصر منافقون يتسترون بالإسلام ، ويحضرون الصلوات كالمتفلسفين الموجودين في عصرنا هذا ، وقد أشار بعض علمائنا إليهم في شعر قاله وضمن فيه بعض الآية ، فقال في أبي الوليد بن رشد الحفيد وأمثاله من متفلسفة الإسلام : % ( لأشياع الفلاسفة اعتقاد % .
يرون به عن الشرح انحلالا .
) % % ( أباحوا كل محظور حرام % .
وردّوه لأنفسهم حلالا .
) % % ( وما انتسبوا إلى الإسلام إلا % .
لصون دمائهم أن لا تسالا .
) % % ( فيأتون المناكر في نشاط % .
ويأتون الصلاة وهم كسالى .
) % .
وقرأ الجمهور : كسالى بضم الكاف ، وهي لغة أهل الحجاز . وقرأ الأعرج : كسالى بفتح الكاف وهي لغة تميم وأسد . وقرأ ابن المسيمقع : كسلى على وزن فعلى ، وصف بما يوصف به المؤنث المفرد على مراعاة الجماعة كقراءة . { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى } . .
{ بِرَبّ النَّاسِ } أي يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة وأنهم مسلمون . وهي من باب المفاعلة ، يرى المرائي الناس تجمله بأفعال الطاعة ، وهم يرونه استحسان ذلك العمل . وقد يكون من باب فاعل بمعنى فعل ، نحو نعمة وناعمة . وروى أبو زيد : رأت المرأة المرآة إذا أمسكتها لترى وجهها . وقرىء : يرؤن بهمزة مضمومة مشددة بين الراء والواو . وقال ابن عطية : وهي أقوى في المعنى من يراؤون ، لأن معناها يحملون الناس على أن يروهم ويتظاهرون لهم بالصلاة وهم يبطنون النفاق . ونسب الزمخشري هذه القراءة لابن أبي إسحاق إلا أنه قالقرأ : يرؤنهم همزة مشددة مثل : يرعونهم أي يبصرونهم أعمالهم ، ويراؤونهم كذلك . .
{ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ * لا * قَلِيلاً } قال الحسن : قل لأنه كان يعمل لغير الله . وقال قتادة : ما معناه إنما قل لكونه لم يقبله ، وما رده الله فكثيره قليل ، وما قبله فقليله كثير . وقال غيره : قل بالنسبة إلى خوضهم في الباطل وقولهم الزور والكفر . وقال الزمخشري : إلا قليلاً ، لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به ، وما يجاهرون به قليل ، لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس في قلوبهم لم يتكلفوه ، أولاً يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكراً قليلاً . ويجوز أن يراد بالقلة العدم انتهى . ولا يجوز أنْ يراد به العدم ، لأن الاستثناء يأباه ، وقد رددنا هذا القول عليه وعلى ابن عطية في هذه السورة .