@ 377 @ حيث اللفظ والمعنى انتهى . .
والذي أختاره هذا الوجه ، وإن كان مشهور مذهب جمهور البصريين أنّ ذلك لا يجوز إلا في الشعر ، لكن قد ذكرت دلائل جواز ذلك في الكلام . وأمعنتُ في ذكر الدلائل على ذلك في تفسير قوله : { وَكُفْرٌ بِهِ } و { الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وليس مختلاً من حيث اللفظ ، لأنّا قد استدللنا علي جواز ذلك ، ولا من حيث المعنى كما زعم الزمخشري ، بل المعنى عليه ويكون على تقدير حذف أي : يفتيكم في مثلوهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب ، من إضافة متلو إلى ضميرهن سائغة ، إذ الإضافة تكون لأدنى ملابسة لما كان متلواً فيهن صحت الإضافة إليهما . ومن ذلك قول الشاعر : .
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة .
وأما قول الزمخشري : لاختلاله في اللفظ والمعنى فهو قول الزجاج بعينه . قال الزجاج : وهذا بعيد ، لأنه بالنسبة إلى اللفظ وإلى المعنى ، أما للفظ فإنه يقتضي عطف المظهر على المضمر ، وذلك غير جائز . كما لم يجز قوله : { تَسَاءلُونَ بِهِ وَالاْرْحَامَ } وأما المعنى فإنه تعالى أفتى في تلك المسائل ، وتقدير العطف على الضمير يقتضي أنه أفتى فيما يتلى عليكم في الكتاب . ومعلوم أنه ليس المراد ذلك ، وإنما المراد أنه تعالى يفتي فيما سألوه من المسائل انتهى كلامه . وقد بينا صحة المعنى على تقدير ذلك المحذوف ، والرفع على العطف على الله ، أو على ضمير يخرجه عن التأسيس . وعلى الجملة تخرج الجملة بأسرها عن التأسيس ، وكذلك الجر على القسم . فالنصب بإضمار فعل ، والعطف على الضمير يجعله تأسيساً . وإذا أراد الأمرين : التأسيس والتأكيد ، كان حمله على التأسيس هو الأولى ، ولا يذهب إلى التأكيد إلا عند اتضاح عدم التأسيس . وتقدم الكلام في تعلق قوله : ( في يتامى النساء ) . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : بم تعلق قوله : في يتامى النساء ؟ ( قلت ) : في الوجه الأول هو صلة يتلى أي : يتلى عليكم في معناهن : ويجوز أن يكون في يتامى النساء بدلاً من فيهنّ . وأما في الوجهين الأخيرين فبدل لا غير انتهى كلامه . ويعني بقوله في الوجه الأول : أن يكون وما يتلى في موضع رفع ، فأما ما أجازه في هذا الوجه من أنه يكون صلة يتلى فلا يتصوّر إلا إن كان في يتامى بدلاً من في الكتاب ، أو تكون في للسبب ، لئلا يتعلق حرفا جر بمعنى واحد بفعل واحد ، فهو لا يجوز إلا إن كان على طريقة البدل أو بالعطف . وأما ما أجازه في هذا الوجه أيضاً من أن في يتامى بدل من فيهن ، فالظاهر أنه لا يجوز للفصل بين البدل والمبدل منه بالعطف . ونظير هذا التركيب : زيد يقيم في الدار وعمرو في كسر منها ، ففصلت بين في الدار وبين في كسر منها بالعطف ، والتركيب المعهود : زيد يقيم في الدار في كسر منها . وعمرو واتفق من وقفنا على كلامه في التفسير على أنّ هذه الآية إشارة إلى ما مضى في صدر هذه السورة وهو قوله تعالى : { وَءاتُواْ النّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } وقوله : { وَءاتُواْ الْيَتَامَى أَمْوالَهُمْ } وقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ * أَن لا * تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء } قالت عائشة رضي الله عنها : نزلت هذه الآية يعني : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أوّلاً ، ثم سأل ناس بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن أمر النساء فنزلت : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } وما يتلى عليكم فعلى ما قاله المفسرون وما نقل عن عائشة يكون يفتيكم ويتلى فيه وضع المضارع موضع الماضي ، لأن الإفتاء والتلاوة قد سبقت . والإضافة في يتامى النساء من باب إضافة الخاص إلى العامّ ، لأن النساء ينقسمن إلى يتامى وغير يتامى . وقال الكوفيون : هي من إضافة الصفة إلى الموصوف ، وهذا عند البصريين لا يجوز