@ 358 @ اليهودي ، فقال اليهودي : دفعها إليّ طعمة . وقيل : استودع يهودي درعاً فخانه ، فلما خاف اطلاعهم عليها ألقاها في دار أبي مليك الأنصاري . قال السدي : وقيل : السلاح والطعام كان لرفاعة بن زيد عم قتادة ، وأن بني أبريق نقبوا مشربيته وأخذوا ذلك ، وهم بشير بضم الباء ومبشر وبشر ، وأهموا أنَّ فاعل ذلك هو لبيد بن سهل ، فشكاهم قتادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وأن الرسول همَّ أن يجادل عن طعمه ، أو عن أبيرق ، ويقال فيه : طعيمة . .
وقال الكرماني : أجمع المفسرون على أنّ هذه الآيات نزلت في طعمة بن أبيرق أحمد بني ظفر بن الحرث ، إلا ابن بحر فإنه قال : نزلت في المنافقين ، وهو متصل بقوله : { فَمَا لَكُمْ فِى الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } انتهى . وفي هذه الآية تشريف للرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وتفويض الأمور إليه بقوله : لتحكم بين الناس بما أراك الله . .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه لما صرح بأحوال المنافقين ، واتصل بذلك أمر المحاربة وما يتعلق بها من الأحكام الشرعية ، رجع إلى أحوال المنافقين ، فإنهم خانوا الرسول على ما لا ينبغي ، فأطلعه الله على ذلك وأمره أن لا يلتفت إليهم ، وكان بشير منافقاً ويهجو الصحابة وينحل الشعر لغيره ، وأما طعمة فارتد ، وأنه لما بين الأحكام الكثيرة عرف أنّ كلها من الله ، وأنه ليس للرسول أن يحيد عن شيء منها طلباً لرضا قوم . أو أنه لما أنه يجاهد الكفار ، أنه لا يجوز إلحاق ما لم يفعلوا بهم ، وأنّ كفره لا يبيح المسامحة في النظر إليه ، بل الواجب في الدين أن يحكم له وعليه بما أنزل الله ، ولا يلحق به حيف لأجل أن يرضي المنافق . .
والكتاب هنا القرآن . ومعنى بالحق : أي لا عوج فيه ولا ميل . والناس هنا عام ، وبما أراك الله بما أعلمك من الوحي . وقيل : بالنظر الصحيح فإنه محروس في اجتهاده ، معصوم في الأقوال والأفعال . وقيل : بما ألقاه في قلبك من أنوار المعرفة وصفاء الباطن . وعن عمر : ( لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله ، فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه ، لأن الرأي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مصيباً ، لأن الله تعالى كان يريه إياه ، وهو منا الظن والتكليف دون الإهمال ، أو بماله عاقبة حميدة ، لأن ما ليس كذلك عبث وباطل ) . وقال الماتريدي : بالحق أي : موافقاً لما هو الحق على العباد ، ولما لبعضهم على بعض ليعلموا بذلك ، أو بياناً لأمره . وحق كائن ثابت وهو البعث والقيامة ، ليتزودوا له . أو بما يحمل عليهم فاعله ، أو بالعدل والصدق على الأمن من التغيير والتبديل . بما أراك الله : فيه دليل جواز اجتهاده ، واجتهاده كالنص ، لأن الله تعالى أخبر أنه يريه ذلك أو لا يريه غير الصواب انتهى كلامه . .
{ وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } أي : مخاصماً ، كجليس بمعنى مجالس ، قاله : الزجاج والفارسي وغيرهما . ويحتمل أن يكون للمبالغة من خصم ، والخائنون جمع . فإنّ بني أبريق الثلاثة هم الذين نقبوا المشربة ، فظاهر إطلاق الجمع عليهم وإن كان وحده هو الرّجل الذي خان في الدرع أو سرقها ، فجاء الجمع باعتباره واعتبار من شهد له بالبراءة من قومه كأسيد بن عروة ومن تابعه ممن زكاه ، فكانوا شركاء له في الإثم ، خصوصاً من يعلم أنه هو السارق . أو جاء الجمع ليتناول طعمة وكل من خان خيانته ، فلا يخاصم لخائن قط ، ولا يحاول عنه . وخصيماً يحتاج متعلقاً محذوفاً أي البراء . والبريء مختلف فيه حسب الاختلاف في السبب : أهو اليهودي الذي دفع إليه طعمة الدّرع وهو زيد بن السمين ، أو أبو مليك الأنصاري ؟ وهو الذي ألقى طعمة الدرع في داره لما خاف الافتضاح ، أو لبيد بن سهل ؟ وقال يحيى بن سلام : وكان يهودياً . وذكر المهدوي أنه كان مسلماً . وأدخله أبو عمرو بن عبد البر في كتاب الصحابة ، فدل على إسلامه كما ذكر المهدوي . ولما نزلت هذه الآيات هرب طعمة إلى مكة وارتد ، ونزل على سلافة فرماها حسان به في شعر قاله ومنه