@ 353 @ السفر المباح . وأجمعوا على القصر في سفر الحج والعمرة والجهاد وما ضارعها من صلة رحم ، وإحياء نفس . والجمهور على أنه لا يجوز في سفر المعصية كالباغي ، وقاطع الطريق ، وما في معناهما . والظاهر أنه لا يقصر إلا حتى يتصف بالسفر بالفعل ، ولا اعتبار بمسافة معينة ، ولا زمان . وروي عن الحرث بن أبي ربيعة : أنه أراد سفراً فصلى بهم ركعتين في منزله ، والأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود ، وبه قال عطاء وسليمان بن موسى . والجمهور على أنه لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية . وروي عن مجاهد أنه قال : لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل . والظاهر من قوله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أن القصر مباح . وقال مالك في المبسوط : سنة . وقال حماد بن أبي سليمان ، وأبو حنيفة ، ومحمد بن سحنون ، واسماعيل القاضي : فرض ، وروي عن عمر بن عبد العزيز . والظاهر أن قوله : أن تقصروا ، مطلق في لاقصر ، ويحتاج إلى مقدار ما ينقص منها . فذهبت جماعة إلى أنه قصر من أربع إلى اثنين . وقال قوم : من ركعتين في السفر إلى ركعة ، والركعتين في السفر تمام . .
{ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } ظاهره أنّ إباحة القصر مشروطة بالخوف المزكور ، وإلى ذلك ذهب جماعة . ومن ذهب إلى أنّ القصر هو من ركعتي السفر إلى ركعة ، شرط الخوف ، وقال : تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها ، ويكون للإمام ركعتان . وقالت طائفة : لا يراد بالقصر الصلاة هنا القصر من ركعتيها ، وإنما المراد القصر من هيآتها بترك الركوع والسجود في الإيماء ، وترك القيام إلى الركوع ، وروي فعل ذلك عن ابن عباس وطاووس . وذهب آخرون إلى أنّ الآية مبيحة القصر من حدود الصلاة وهيآتها عند المسايفة واشتعال الحرب ، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماء برأسه ، ويصلي ركعة واحدة حيث توجه إلى ركعتين ، ورجح هذا القول الطبري بقوله : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَواةَ فَاذْكُرُواْ } أي بحدودها وهيآتها الكاملة . والحديث الصحيح يدلّ على أنّ هذا الشرط لا مفهوم له ، فلا فرق بين الخوف والأمن ، وحديث يعلى في ذلك مشهور صحيح . .
والفتنة هنا هي التعرض بما يكره من قتال وغيره . ولغة الحجاز : فتن ، ولغة تميم وربيعة وقيس : أفتن رباعياً . وقال أبو زيد : قصر من صلاته قصر ، أنقص من عددها . وقال الأزهري : قصر وأقصر . وقرأ ابن عباس : أن تقصروا رباعياً ، وبه قرأ الضبي عن رجاله . وقرأ الزهري : تقصروا مشدّداً ، ومن للتبعيض . وقيل : زائدة . وقيل : الشرط ليس متعلقاً بقصر الصلاة ، بل تم الكلام عند قوله : أن تقصروا من الصلاة ، ثم ابتدأ حكم الخوف . ويؤيده على قول : أنّ تجاراً قالوا : إنا نضرب في الأرض ، فكيف نصلي ؟ فنزلت : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ، ثم انقطع الكلام . فلما كان بعد ذلك بسنة في غزاة بني أسد حين صليت الظهر قال بعض العدو : هلا شددتم عليهم وقد مكنوكم من ظهورهم ؟ فقالوا : إنّ لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأولادهم ، فنزلت : { إِنْ خِفْتُمْ * إِلَى * قَوْلُهُ * عَذَاباً مُّهِيناً } صلاة الخوف . ورجح هذا بأنه إذا علق الشرط بما قبله كان جواز القصر مع الأمن مستفاداً من السنة ، ويلزم منه نسخ الكتاب بالسنة . وعلى تقدير الاستئناف لا يلزم ، ومتى استقام اللفظ وتم المعنى من غير محذور النسخ كان أولى انتهى . وليس هذا بنسخ ، إنما فيه عدم اعتبار مفهوم الشرط ، وهو كثير في كلام العرب . ومنه قول الشاعر : % ( عزيز إذا حلّ الخليقان حوله % .
بذي لحب لجأته وضواهله .
) % .
وفي قراءة أبيّ وعبد الله : أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم ، بإسقاط إن خفتم ، وهو مفعول من أجله من حيث المعنى أي : مخافة أن يفتنكم . وأصل الفتنة الاختبار بالشدائد . .
{ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } عدو : وصف يوصف به الواحد والجمع . قال : هم العدو ، ومعنى مبيناً : أي مظهراً للعداوة ، بحيث أنّ عداوته ليست مستورة ، ولا هو يخفيها ، فمتى قدر على أذية فعلها . .
{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَواةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ } استدل بظاهر الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ) من لا يرى صلاة الخوف بعد الرسول حيث شرط كونه فيهم ، وكونه هو المقيم