@ 349 @ الفضل أمامة بنت الحارث أم عبد الله بن عباس . ومن الولدان : عبد الله بن عباس وغيره . فإنْ أريد بالولدان العبيد والإماء البالغون فلا إشكال في دخولهم في المستثنين ، وإن أريد بالولدان الأطفال فهم لا يكونون إلا عاجزين فلا يتوجه عليهم وعيد ، بخلاف الرّجال والنساء قد يكونون عاجزين ، وقد يكونون غير عاجزين . وإنما ذكروا مع الرّجال والنساء وإنْ كانوا لا يتوجه عليهم الوعيد باعتبار أنَّ عجزهم هو عجز لآبائهم الرّجال والنساء ، لأنَّ من أقوى أسباب العجز وعدم الحنكة وكون الرّجال والنساء مشغولين بأطفالهم ، مشغوفين بهم ، فيعجزون عن الهجرة بسبب خوف ضياع أطفالهم وولدانهم . فذكر الولدان في المستثنين تنبيه على أعظم طرق العجز للرّجال والنساء ، لأن طرق العجز لا تنحصر ، فنبه بذكر عجز الولدان على قوة عجز الآباء والأمهات بسببهم . .
قال الزمخشري : ويجوز أن يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرّجال والنساء ، فيلحقوا بهم في التكليف انتهى . وليس بجيد ، لأنّ المراهق لا يلحق بالمكلف أصلاً ، ولا وعيد عليه ما لم يكلف . وقيل : يحتمل أن يراد بالمستضعفين أسرى المسلمين الذين هم في أيدي المشركين لا يستطيعون حيلة إلى الخروج ، ولا يهتدون إلى تخليص أنفسهم . وهذا الاستثناء قال الزجاج : هو من قوله : { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } . قال غيره : كأنه قيل : فأولئك في جهنم إلا المستضعفين ، فعلى هذا استثناء متصل . والذي يقتضيه النظر أنه استثناء منقطع ، لأن قوله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ } إلى آخره يعود الضمير في مأواهم إليهم . وهم على أقوال المفسرين إما كفار ، وإما عصاة بالتخلف عن الهجرة وهم قادرون ، فلم يندرج فيهم المستضعفون المستثنون لأنهم عاجزون ، فهو منقطع لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلاً . .
الحيلة : لفظ عام لأنواع أسباب التخلص . والسبيل هنا طريق المدينة قاله : مجاهد ، والسدي . وغيرهما . قال ابن عطية : والصواب أنه عام في جميع السبل ، يعني المخلصة من دار الكفر انتهى . وقيل : لا يعرفون طريقاً إلى الخروج ، وهذه الجملة قيل ؛ مستأنفة . وقيل : في موضع الحال . وقال الزمخشري : صفة للمستضعفين ، أو الرّجال والنساء والولدان . قال : وإنما جاز ذلك والجمل نكرات ، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس بشيء بعينه كقوله : .
ولقد أمر على اللئيم يسبني .
انتهى كلامه . .
وهو تخريج ذهب إلى مثله بعض النحويين في قوله تعالى : { وَءايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } وهو هدم للقاعدة المشهورة : بأن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة ، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة . والذي يظهر أنها جملة مفسرة لقوله : المستضعفين ، لأنها في معنى : ( إلا الذين استضعفوا فجاء بياناً وتفسيراً لذلك ، لأنّ الاستضعاف يكون بوجوه ، فبين جهة الاستضعاف النافع في التخلف عن الهجرة وهي عدم استطاعة الحيلة وعدم اهتداء السبيل . والثاني مندرج تحت الأول ، لأنه يلزم من انتفاء القدرة على الحيلة التي يتخلص بها انتفاء اهتداء السبيل . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بعث إلى مسلمي مكة بهذه الآية ، فقال جندب بن ضمرة الليثي : ويقال : جندع بالعين ، أو ضمرة بن جندب لبنيه : احملوني فإني لست من المستضعفين ، وإني لأهتدي الطريق ، والله لا أبيت الليلة بمكة ، فحملوه على سرير متوجهاً إلى المدينة ، وكان شيخاً كبيراً فمات بالتنعيم . .
{ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } عسى : كلمة أطماع وترجية ، وأتى بها وإن كانت من الله واجبة ، دلالة على أنّ ترك الهجرة أمر صعب لا فسحة فيه ، حتى أن المضطر البين الاضطرار من حقه أن يقول : عسى الله أن يعفو عني . وقيل : معنى ذلك أنه يعفو عنه في المستقبل ، كأنه وعدهم غفران ذنوبهم كما قال صلى الله عليه وسلم ) : ( إن الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) . .
{ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } تأكيد في وقع عفوه عن