@ 347 @ درجات ، لأنه لو لم يذكر ذلك لأوهم أنّ حالهما في الوعد بالحسنى سواء انتهى . وانتصب كلاً على أنه مفعول أوّل لوعد ، والثاني هو الحسنى . وقرىء : وكل بالرفع على الابتداء ، وحذف العائد أي : وكلهم وعد الله . .
{ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } قيل : الدرجات باعتبار المنازل الرفيعة بعد إدخال الجنة ، والمغفرة باعتبار ستر الذنب ، والرحمة باعتبار دخول الجنة . والظاهر أنّ هذا التفضيل الخاص للمجاهد بنفسه وماله ، ومن تفرد بأحدهما ليس كذلك . ومن المعلوم أنّ من جاهد ، ومَن أنفق ماله في الجهاد ، ليس كمن جاهد بنفقة من عند غيره . .
وفي انتصاب درجة ودرجات وجوه : أحدها : أنهما ينتصبان انتصاب المصدر لوقوع درجة موقع المرة في التفضيل ، كأنه قيل : فضلهم تفضيله . كما تقول : ضربته سوطاً ، ووقوع درجات موقع تفضيلات كما تقول : ضربته أسواطاً تعني : ضربات . والثاني : أنهما ينتصبان انتصاب الحال أي : ذوي درجة ، وذوي درجات . والثالث : على تقدير حرف الجر أي : بدرجة وبدرجات . والرابع : أنهما انتصبا على معنى الظرف ، إذ وقعا موقعه أي : في درجة وفي درجات . وقيل : انتصاب درجات على البدل من أجراً قيل : ومغفرة ورحمة معطوفان على درجات . وقيل : انتصبا بإضمار فعلهما أي : غفر ذنبهم مغفرة ورحمهم رحمة . وأما انتصابُ أجراً عظيماً فقيل : على المصدر ، لأنّ معنى فضل معنى أجر ، فهو مصدر من المعنى ، لا من اللفظ . وقيل : على إسقاط حرف الجر أي بأجر . وقيل : مفعول بفضلهم لتضمينه معنى أعطاهم . قال الزمخشري : ونصب أجراً عظيماً على أنه حال من النكرة التي هي درجات مقدّمة عليها انتهى . وهذا لا يظهر لأنه لو تأخر لم يجز أن يكون نعتاً لعدم المطابقة ، لأنّ أجراً عظيماً مفرد ، ولا يكون نعتاً لدرجات ، لأنها جمع . وقال ابن عطية : ونصب درجات ، إما على البدل من الأجر ، وإما بإضمار فعل على أن يكون تأكيداً للأجر ، كما نقول لك : على ألف درهم عرفاً ، كأنك قلت : أعرفها عرفاً انتهى . وهذا فيه نظر . .
{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاْرْضِ } روى البخاري عن ابن عباس : أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم ، أو يضرب فيقتل ، فنزلت . وقيل : قوم من أهل مكة أسلموا ، فلما هاجر الرسول أقاموا مع قومهم ، وفتن منهم جماعة ، فلما كان يوم بدر خرج منهم قوم مع الكفار ، فقتلوا ببدر فنزلت . قال عكرمة : نزلت في خمسة قتلوا يوم بدر : قيس بن النائحة بن المغيرة ، والحرث بن زمعة بن الأسود بن أسد ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاصي بن منبه بن الحجاج ، وعلي بن أمية بن خلف . وقال النقاش : في أناس سواهم أسلموا ثم خرجوا إلى بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : غر هؤلاء دينهم . .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي : أنه تعالى لما ذكر ثواب من أقدم على الجهاد ، أتبعه بعقاب من قعد عن الجهاد وسكن في بلاد الكفر . قال ابن عباس ومقاتل : التوفي هنا قبض الأرواح . وقال الحسن : الحشر إلى النار . والملائكة هنا قيل : ملك الموت ، وهو من باب طلاق الجمع على الواحدة تفخيماً له وتعظيماً لشأنه ، لقوله تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ } هذا قول الجمهور