@ 344 @ّ قوله : فمنّ الله عليكم ، هو من تمام كذلك كنتم من قبل . وقيل : من تمام تبتغون عرض الحياة الدنيا وما قبله ، فالمعنى : منَّ عليكم بأنْ قبل توبتكم عن ذلك الفعل المنكر قاله : أبو عبد الله الرازي ، فتبينوا : تقدّم أنه قرىء فتثبتوا ، ويحتمل أن يكون هذا تأكيداً للأول ، ويحتمل أن يكون فتبينوا في قراءة من جعله من التبين ، أن لا يكون تأكيد الاختلاف متعلق التبين . فالمعنى في الأول : فتبينوا أمر من تقدمون على قتله ، وفي الثاني : فتبينوا نعمة الله عليكم بالإسلام . .
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي خبيراً بنياتكم وطلباتكم ، فكونوا محتاطين فيما تقصدونه ، متوخين أمرالله تعالى . وهذا فيه تحذير ، فاحفظوا أنفسكم من موارد الزلل . وقرأ الجمهور : إنَّ بكسر الهمزة على الاستئناف ، وقرىء بفتحها على أن تكون معمولة لقوله : { فَتَبَيَّنُواْ } . .
{ لاَّ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ } قال أبو سليمان الدمشقي : نزلت من أجل قوم كانوا إذا حضرت غزاة يستأذنون في القعود والتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . وأما غير أولي الضرر فسببها قول ابن أم مكتوم : كيف من لا يستطيع الجهاد ؟ . .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما رغب المؤمنين في القتال في سبيل الله أعداء الله الكفار ، واستطرد من ذلك إلى قتل المؤمن خطأ وعمداً بغير تأويل وبتأويل ، فنهى أن يقدم على قتله بتأويل أمر يحمله على الإسلام إذا كان ظاهره يدل على ذلك ، ذكر بيان فضل المجاهد على القاعد ، وبيان تفاوتهما ، وأن ذلك لا يمنع منه كون الجهاد ، مظنة أن يصيب المجاهد مؤمناً خطأ ، أو من يلقي السلم فيقتله بتأويل فيتقاعسن عن الجهاد لهذه الشبهة ، فأتى عقيب ذلك بفضل الجهاد وفوزه بما ذكر في الآية من الدرجات والمغفرة والرحمة والأجر العظيم ، دفعاً لهذه الشبهة . .
ويستوي هنا من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد ، وإثباته لا يدل على عموم المساواة ، وكذلك نفيه . وإنما عنى نفي المساواة في الفضل ، وفي ذلك إبهام على السامع ، وهو أبلغ من تحرير المنزلة التي بين القاعد والمجاهد . فالمتأمل يبقي مع فكره ، ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما ، والقاعد هو المتخلف عن الجهاد ، وعبر عن ذلك بالقعود ، لأن القعود هيئة من لا يتحرك إلى الأمر المقعود عنه في الأغلب . وأولو الضرر هم من لا يقدر على الجهاد لعمى ، أو مرض ، أو عرج ، أو فقد أهبة . والمعنى : لا يستوي القاعدون القادرون على الغزو والمجاهدون . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة : غير برفع الراء . ونافع ، وابن عامر ، والكسائي : بالنصب ، ورويا عن عاصم . وقرأ الأعمش وأبو حيوة : بكسرها . فأما قراءة الرفع فوجهها الأكثرون على الصفة ، وهو قول سيبويه ، كما هي عنده صفة في { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } ومثله قول لبيد : % ( وإذا جوزيت قرضاً فاجزه % .
إنما يجزي الفتى غير الجمل .
) % .
كذا ذكره أبو عليّ ، ويروى : ليس الجمل . وأجاز بعض النحويين فيه البدل . قيل : وهو إعراب ظاهر ، لأنه جاء بعد نفي ، وهو أولى من الصفة لوجهين : أحدهما : أنهم نصوا على أنَّ الأفصح في النفي البدل ، ثم النصب على الاستثناء