@ 342 @ الشعاب . وقيل : هي السرية التي قتل فيها أسامة بن زيد مرداس بن نهيك من أهل فدك ، وهي مشهورة . وقيل : بعث الرسول عليه السلام أبا حدرد الأسلمي وأبا قتادة ومحلم بن جثامة في سرية إلى أسلم ، فلما بلغوا إلى عامر بن الأضبط الأشجعي حياهم بتحية الإسلام ، فقتله محكم وسلبه ، فلما قدموا قال : ( أقتلته بعدما قال آمنت ؟ ) فنزلت . .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة وهي أنه تعالى لما ذكر جزاء من قتل مؤمناً متعمداً وأن له جهنم ، وذكر غضب الله عليه ولعنته وإعداد العذاب العظيم له ، أمر المؤمنين بالتثبت والتبين ، وأن لا يقدم الإنسان على قتل من أظهر الإيمان ، وأن لا يسفكوا دماً حراماً بتأويل ضعيف ، وكرر ذلك آخر الآية تأكيداً أن لا يقدم عند الشبه والإشكال حتى يتضح له ما يقدم عليه ، ولما كان خفاء ذلك منوطاً بالأسفار والغمزات قال : إذا ضربتم في الأرض ، وإلا فالتثبت والتبين لازم في قتل من تظاهر بالإسلام في السفر وفي الحضر ، وتقدم تفسير الضرب في قوله : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الاْرْضِ } . .
وقرأ حمزة والكسائي : فتثبتوا بالثاء المثلثة ، والباقون : فتبينوا . وكلاهما تفعل بمعنى استفعل التي للطلب ، أي : اطلبوا إثبات الأمر وبيانه ، ولا تقدموا من غير روية وإيضاح . وقال قوم : تبينوا أبلغ وأشد من فتثبتوا ، لأن المتثبت قد لا يتبين . وقال الراغب : لأنه قلما يكون إلا بعد تثبت ، وقد يكون التثبت ولا تبين ، وقد قوبل بالعجلة في قوله عليه السلام : { وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ } . وقال أبو عبيد هما : متقاربان . قال ابن عطية : والصحيح ما قال أبو عبيد ، لأن تبين الرجل لا يقتضي أن الشيء بان ، بل يقتضي محاولة للتبين ، كما أنّ تثبت يقتضي محاولة للتبين ، فهما سواء . وقال أبو علي الفارسي : التثبت هو خلاف الإقدام ، والمراد : التأني ، والتثبت أشد اختصاصاً بهذا الموضع . ومما يبين ذلك قوله : { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } أي أشد وقفاً لهم عن ما وعظوا بأن لا يقدموا عليه ، وكلام الناس تثبَّتْ في أمرك . وقد جاء أنّ التبين من الله ، والعجلة من الشيطان ، ومقابلة العجلة بالتبين دلالة على تقارب اللفظين . .
والأكثرون على أنّ القاتل هو محلم ، والمقتول عامر كما ذكرنا ، وكذا هو في سير ابن إسحاق ، ومصنف أبي داود ، وفي الاستيعاب . وقيل : المقتول مرداس ، وقاتله أسامة . وقيل : قاتله غالب بن فضالة الليثي . وقيل : القاتل أبو الدرداء . وقيل : أبو قتادة . .
وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، والكسائي ، وحفص ، السلام بألف . قال الزجاج : يجوز أن يكون بمعنى التسليم ، ويجوز أن يكون بمعنى الاستسلام . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، وابن كثير . من بعض طرقه ، وجبلة عن المفضل عن عاصم : بفتح السين واللام من غير ألف ، وهو من الاستسلام . وقرأ أبان بن زيد ، عن عاصم : بكسر السين وإسكان اللام ، وهو الانقياد والطاعة . قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد بالسلام الانحياز والترك ، قال الأخفش : يقال فلان سلام إذا كان لا يخالط أحداً . قال أبو عبد الله الرازي : أي لا تقولوا لمن اعتزلكم ولم يقاتلكم لست مؤمناً ، وأصله من السلامة ، لأن المعتزل عن الناس طالب للسلامة . وقرأ الجحدري : بفتح السين وسكون اللام . وقرأ أبو جعفر : مأمناً بفتح الميم أي : لا نؤمنك في نفسك ، وهي قراءة : عليّ ، وابن عباس ، وعكرمة ، وأبي العالية ، ويحيى بن يعمر .