@ 289 @ ومكحول ، واختاره أبو سليمان الدمشقي : نزلت في الأمراء أن يؤدوا الأمانة فيما ائتمنهم الله من أمر رعيته . وقيل : نزلت عامة ، وهو مروي عن : أبي ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة . .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر وعد المؤمنين ، وذكر عمل الصالحات ، نبه على هذين العملين الشريفين اللذين من اتصف بهما كان أحرى أن يتصف بغيرهما من الأعمال الصالحة ، فأحدهما ما يختص به الإنسان فيما بينه وبين غيره وهو أذاء الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، والثاني ما يكون بين اثنين من الفصل بينهما بالحكم العدل الخالي عن الهوى ، وهو من الأعمال العظيمة التي أمر الله بها رسله وأنبياءه والمؤمنين . ولما كان الترتيب الصحيح أنْ يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار ، ثم يشتغل بحال غيره ، أمر بأداء الأمانة أولاً ثم بعده بالأمر بالحكم بالحق . والظاهر في : يأمركم أنّ الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة . .
وقال ابن جريج : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ) في شأن مفتاح الكعبة . وقال علي ، وابن أسلم ، وشهر ، وابن زيد : خطاب لولاة المسلمين خاصة ، فهو للنبي صلى الله عليه وسلم ) وأمرائه ، ثم يتناول مَن بعدهم . وقال ابن عباس : في الولاة أن يعظوا النساء في النشوز ونحوه ، ويردوهنّ إلى الأزواج . وقيل : خطاب لليهود أمروا برد ما عندهم من الأمانة ، من نعتِ الرسول أنْ يظهروه لأهله ، إذ الخطاب معهم قبل هذه الآية . ونقل التبريزي : أنها خطاب لأمراء السرايا بحفظ الغنائم ووضعها في أهلها . وقيل : ذلك عام فيما كلفه العبد من العبادات . والأظهر ما قدمناه من أنّ الخطاب عام يتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ، ورد الظلامات ، وعدل الحكومات . ومنه دونهم من الناس في الودائع ، والعواري ، والشهادات ، والرجل يحكم في نازلة . قال ابن عباس : لم يرخص الله لموسر ولا معسر أنْ يمسك الأمانة . .
وقرىء : أن تؤدّوا الأمانة على التوحيد ، وأن تحكموا ، ظاهره : أن يكون معطوفاً على أن تؤدّوا ، وفصل بين حرف العطف والمعطوف بإذا . وقد ذهب إلى ذلك بعض أصحابنا وجعله كقوله : { رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً } { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } { سَبْعَ سَمَاوَاتٍ * وَمِنَ الاْرْضِ مِثْلَهُنَّ } ففصل في هذه الآية بين الواو والمعطوف بالمجرور . وأبو عليّ يخص هذا بالشعر ، وليس بصواب . فإن كان المعطوف مجروراً أعيد الجار نحو : امرر بزيد وغداً بعمرو . ولكنَّ قوله : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا ، ليس من هذه الآيات ، لأن حرف الجر يتعلق في هذه الآيات بالعامل في المعطوف ، والظرف هنا ظاهره أنه منصوب بأن تحكموا ، ولا يمكن ذلك لأن الفعل في صلة أن ، ولا يمكن أن ينتصب بالناصب لأنْ تحكموا لأنّ الأمر ليس واقعاً وقت الحكم . وقد خرجه على هذا بعضهم . والذي يظهر أنّ إذاً معمولة لأنْ تحكموا مقدرة ، وأنْ تحكموا المذكورة مفسرة لتلك المقدرة ، هذا إذا فرغنا على قول الجمهور . وأما إذا قلنا بمذهب الفرّاء فإذا منصوبة بأن تحكموا هذه الملفوظ بها ، لأنه يجير : يعجبني العسل أن يشرب ، فتقدم معمول صلة أنْ عليها . .
{ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أصله : معم ما ، وما معرفة تامة على مذهب سيبويه والكسائي . كأنه قال : نعم الشيء يعظكم به ، أي شيء يعظكم به . ويعظكم صفة لشيء ، وشيء هو المخصوص بالمدح وموصولة على مذهب الفارسي في أحد قوليه . والمخصوص محذوف التقدير : نعم الذي يعظكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل ، ونكرة في موضع نصب على التمييز و يعظكم صفة له على مذهب الفارسي في أحد قوليه ، والمخصوص محذوف تقديره كتقدير ما قبله . وقد تأولت ما هنا على كل هذه الأقوال ، وتحقيق ذلك في علم النحو . وقال ابن عطية : وما المردفة على نعم إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها كما هي في ربما ، ومما في قوله : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مما يحرك شفتيه وكقول الشاعر