@ 280 @ سواء كان صاحب كبيرة أم صاحب صغيرة . والمرجئة تقول : هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته . والمعتزلة تقول : إن كان صاحب كبيرة خلد في النار . وأما أهل السنة فيقولون : هو في المشيئة ، فإن شاء غفر له وأدخله الجنة من أول وهلة ، وإن شاء عذبه وأخرجه من النار وأدخله الجنة بعد مخلداً فيها . .
وسبب هذا الاختلاف تعارض عمومات آيات الوعيد وآيات الوعد ، فالخوارج جعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كافرين ومؤمنين غير تائبين . وآيات الوعد مخصوصة في المؤمن الذي لم يذنب قط ، أو المذنب التائب . والمرجئة جعلوا آيات الوعيد مخصوصة في الكفار ، وآيات الوعد مخصوصة في المؤمن تقيهم وعاصيهم . وأهل السنة خصصوا آيات الوعيد بالكفر وبمن سبق في علمه أنه يعذبه من المؤمنين العصاة ، وخصصوا آيات الوعد بالمؤمن الذي لم يذنب ، وبالتائب ، وبمن سبق في علمه العفو عنه من المؤمنين العصاة . والمعتزلة خصصوا آيات الوعد بالمؤمن الذي لم يذنب ، وبالتائب . وآيات الوعيد بالكافر وذي الكبيرة الذي لم يتب . .
وهذه الآية هي الحاكمة بالنص في موضع النزاع ، وهي جلت الشك ، وردّت على هذه الطوائف الثلاث . فقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ، والمعنى : أنَّ من مات مشركاً لا يغفر له ، هو أصل مجمع عليه من الطوائف الأربع . وقوله : ويغفر ما دون ذلك ، راد على الخوارج وعلى المعتزلة ، لأن ما دون ذلك عام تدخل فيه الكبائر والصغائر . وقوله : لمن يشاء رادّ على المرجئة ، إذ مدلوله أنَّ غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم على ما شاء تعالى ، بخلاف ما زعموه بأن كل مؤمن مغفور له . وأدلة هؤلاء الطوائف مذكورة في علم أصول الدين . وقد رامت المعتزلة والمرجئة ردّ هذه الآية إلى مقالاتهما بتأويلات لا تصح ، وهي منافية لما دلت عليه الآية . .
قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : قد ثبت أن الله عزّ وعلا يغفر الشرك لمن تاب منه ، وأنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة ، فما وجه قوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ؟ ( قلت ) : الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعاً موجهين إلى قوله : لمن يشاء كأنه قيل : إنّ الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك . على أن المراد بالأول مَن لم يتب ، وبالثاني مَن تاب . ونظيره قولك : إنّ الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يستأهله انتهى كلامه . فتأول الآية على مذهبه . وقوله : قد ثبت أن الله عز وعلا يغفر الشرك لمن تاب عنه ، هذا مجمع عليه . وقوله : وإنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة . فنقول له : وأين ثبت هذا ؟ وإنما يستدلون بعمومات تحتمل التخصيص ، كاستدلالهم بقوله : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً } الآية ، وقد خصصها ابن عباس بالمستحل ذلك وهو كافر . وقوله : قال : فجزاؤه إن جازاه الله . وقال : الخلود يراد به المكث الطويل لا الديمومة لا إلى نهاية ، وكلام العرب شاهد بذلك . وقوله : إن الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعاً موجهين إلى قوله : لمن يشاء ، إن عنى أنّ الجار يتعلق بالفعلين ، فلا يصح ذلك . وإن عنى أن يقيد الأول بالمشيئة كما قيد الثاني فهو تأويل . والذي يفهم من كلامه أنّ الضمير الفاعل في قوله : يشاء عائد على مِنْ ، لا على الله . لأن المعنى عنده : أنّ الله لا يغفر الشرك لمن يشاء أن لا يغفر له بكونه مات على الشرك غير تائب منه ، ويغفر ما دون الشرك من الكبائر لمن يشاء أن يغفر له بكونه تاب منها . والذي يدل عليه ظاهر الكلام أنه لا قيد في الفعل الأول بالمشيئة ، وإن كانت جميع الكائنات متوقفاً وجودها على مشيئته على مذهبنا . وأنّ الفاعل في يشاء هو عائد على الله تعالى ، لا على من ، والمعنى : ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء أن يغفر له . وفي قوله تعالى : لمن يشاء ، ترجئة عظيمة بكون من مات على ذنب غير الشرك لانقطع عليه بالعذاب ، وإن مات مصرّاً . .
قال عبد الله بن عمر : كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا له أنه من أهل النار ، حتى نزلت هذه الآية ، فأمسكنا عن الشهادات . وفي حديث عبادة بن الصامت في آخره ( ومن أصاب