@ 278 @ هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما رجاهم بقوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ } الآية . خاطب من يرجى إيمانه منهم بالأمر بالإيمان ، وقرن بالوعيد البالغ على تركه ليكون أدعى لهم إلى الإيمان والتصديق به ، ثم أزال خوفهم من سوء الكبائر السابقة بقوله : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية . وأعلمهم أن تزكيتهم أنفسهم بما لم يزكهم به الله لا ينفع . .
والذين أوتوا الكتاب هنا اليهود ، والكتاب التوراة قاله : الجمهور ، أو اليهود والنصارى قاله : الماوردي وابن عطية . والكتاب التوراة والإنجيل ، وبما نزلنا هو القرآن بلا خلاف ، ولما معكم من شرع وملة لا لما معهم من مبدل ومغير من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدباها . قرأ الجمهور : نطمس بكسر الميم . وقرأ أبو رجاء : بضمها . وهما لغتان ، والظاهر أن يراد بالوجوه مدلولها الحقيقي ، وأما طمسها فقال ابن عباس وعطية العوفي : هو أن تزال العينان خاصة منها وترد في القفا ، فيكون ذلك رداً على الدبر ويمشي القهقرى . وعلى هذا يكون ذلك على حذف مضاف أي : من قبل أن نطمس عيون وجوه ، ولا يراد بذلك مطلق وجوه ، بل المعنى وجوهكم . وقالت طائفة : طمس الوجوه أن يعفى آثار الحواس منها فترجع كسائر الأعضاء في الخلو من آثار الحواس منها ، والرد على الإدبار هو بالمعنى أي : خلوه من الحواس . دثر الوجه لكونه عابراً بها ، وحسن هذا القول الزمخشري وجوزه وأوضحه ، فقال : إن نطمس وجوهاً أي نمحو تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم ، فنردها على أدبارها ، فنجعلها على هيئة أدبارها وهي الإقفاء مطموسة مثلها . والفاء للتسبيب ، وإن جعلتها للتعقيب على أنهم توعدوا بالعقابين أحدهما عقيب الآخر ردها على أدبارها بعد طمسها ، فالمعنى : أن نطمس وجوهاً فننكسها الوجوه إلى خلف ، والإقفاء إلى قدام انتهى . والطمس بمعنى المحو الذي ذكره مروي عن ابن عباس ، واختاره القتبي . وقال قتادة والضحاك : معناه نعمى أعينها . وذكر الوجوه وأراد العيون ، لأن الطمس من نعوت العين . قال تعالى : { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } . ويروى هذا أيضاً عن ابن عباس . وقال الفراء : طمس الوجوه جعلها منابت للشعر كوجوه القردة . وقيل : ردها إلى صورة بشيعة كوجوه الخنازير والقردة . وقال مجاهد والسدّي والحسن . ذلك تجوز ، والمراد وجوه الهدى والرشد ، وطمسها حتم الإضلال والصد عنها ، والرد على الإدبار التصيير إلى الكفر . وقال ابن زيد : الوجوه هي أوطانهم وسكناهم في بلادهم التي خرجوا إليها ، وطمسها إخراجهم منها . والرد على الإدبار رجوعهم إلى الشام من حيث أتوا أولاً . وحسّن الزمخشري هذا القول ، فقال : ووجه آخر وهو أن يراد بالطمس القلب والتغيير ، كما طمس أموال القبط فقلبها حجارة ، وبالوجوه رؤوسهم ووجهاؤهم أي : من قبل أن نغير أحوال وجهائهم فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم ، وتكسوها صغارهم وأدبارهم ، أو نردهم إلى حيث جاؤا منه . وهي أذرعات الشام ، يريد إجلاء بني النضير انتهى . .
{ أَوْ نَلْعَنَهُمْ } هو معطوف على قوله : أن نطمس . وظاهر اللعنة هو المتعارف كما في قوله : { مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } . وقال الحسن : معناه نمسخهم كما مسخنا أصحاب السبت . وقال ابن عطية : هم أصحاب ايلة الذين اعتدوا في السبت بالصيد ، وكانت لعنتهم إن مسخوا خنازير وقردة . وقيل : معناه نهيمهم في التيه حتى يموت أكثرهم . .
وظاهر قوله : من قبل أن نطمس أو نلعن ، أنَّ ذلك يكون في الدنيا . ولذلك روي أنَّ عبد الله بن سلام لما سمع هذه الآية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) قبل أن يأتي أهله ويده على وجهه فأسلم وقال : يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يحول وجهي في قفاي . وقال