@ 274 @ الكلام . وكذا قال مكي : إنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم ) . فتحريف كلم التوراة بتغيير اللفظ ، وهو الأقل لتحريفهم أسمر ربعة في صفته عليه السلام بآدم طوال مكانه ، وتحريفهم الرجم بالحديد له ، وبتغيير التأويل ، وهو الأكثر قاله الطبري . وكانوا يتأوّلون التوراة بغير التأويل الذي تقتضيه معاني ألفاظها الأمور يختارونها ويتوصلون بها إلى موال سفلتهم ، وأن التحريف في كلم القرآن أو كلم الرسول فلا يكون إلا في التأويل . .
وقرىء : يحرّفون الكلم بكسر الكاف وسكون اللام ، جمع كلمة تخفيف كلمة . وقرأ النخعي وأبو رجاء : يحرفون الكلام ، وجاء هنا عن مواضعه . وفي المائدة جاء : { عَن مَّواضِعِهِ } وجاء { مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ } . .
قال الزمخشري : أما عن مواضعه فعلى ما فسرنا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه . وأما من بعد مواضعه : فالمعنى أنه كانت له مواضع هو قمن بان يكون فيها ، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره ، والمعنيان متقاربان انتهى . والذي يظهر أنهما سياقان ، فحيث وصفوا بشدة التمرد والطغيان ، وإظهار العداوة ، واشترائهم الضلالة ، ونقض الميثاق ، جاء يحرفون الكلم عن مواضعه . ألا ترى إلى قوله : { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } وقوله : { فِيمَا * نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ } فكأنهم لم يتركوا الكلم من التحريف عن ما يراد بها ، ولم تستقر في مواضعها ، فيكون التحريف بعد استقرارها ، بل بادروا إلى تحريفها بأول وهلة . وحيث وصفوا ببعض لين وترديد وتحكيم للرسول في بعض الأمر ، جاء من بعد مواضعه . ألا ترى إلى قوله : { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَاذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ } وقوله بعد : { فَانٍ * جَاءوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فكأنهم لم يبادروا بالتحريف ، بل عرض لهم التحريف بعد استقرار الكلم في مواضعها . وقد يقال : أنهما شيئان ، لكنه حذف هنا . وفي أول المائدة : من بعد مواضعه ، لأن قوله : عن مواضعه يدل على استقرار مواضع له ، وحذف في ثاني المائدة عن مواضعه . لأن التحريف من بعد مواضعه يدل على أنه تحريف عن مواضعه ، فالأصل يحرفون الكلم من بعد مواضعه . فحذف هنا البعدية ، وهناك حذف عنها . كل ذلك توسع في العبارة ، وكانت البداءة هنا بقوله : عن مواضعه ، لأنه أخضر . وفيه تنصيص باللفظ على عن ، وعلى المواضع ، وإشارة إلى البعدية . .
{ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي : سمعنا قولك ، وعصينا أمرك ، أو سمعناه جهراً ، وعصيناه سراً قولان . والظاهر أنهم شافهوا بالجملتين النبي صلى الله عليه وسلم ) مبالغة منهم في عتوهم في الكفر ، وجرياً على عادتهم مع الأنبياء . ألا ترى إلى قوله : { خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } . .
{ وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } هذا الكلام غير موجه ، ويحتمل وجوهاً . والظاهر أنهم أرادوا به الوجه المكروه لسياق ما قبله من قوله : سمعنا وعصينا ، فيكون معناه : اسمع لا سمعت . دعوا عليه بالموت أو بالصمم ، وأرادوا ذلك في الباطن ، وأرادوا في الظاهر تعظيمه بذلك . إذ يحتمل أن يكون المعنى : واسمع غير مأمور وغير صالح أن تسمع مأموراً بذلك . وقال الزمخشري : أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه ومعناه : غير مسمع جواباً يوافقك ، فكأنك لم تسمع شيئاً انتهى ، وقاله ابن عباس . قال الزمخشري : أو اسمع غير مسمع كلاماً ترضاه ، فسمعك عنه ناب . ويجوز على هذا أن يكون غير مسمع مفعول اسمع ، أي : اسمع كلاماً غير مسمع إياك ، لأنّ أذنك لا تعيه نبوّا عنه . ويحتمل المدح أي : اسمع غير مسمع مكروهاً من قولك : أسمع فلان فلاناً إذا سبه . قال ابن عطية : ومن قال : غير مسمع غير مقبول منك ، فإنه لا يساعده التصريف ، وقد حكاه الطبري عن الحسن ومجاهد انتهى . ووجه أن التصريف لا يساعد عليه هو