@ 237 @ راجعة إلى منعوت واحد ، إلا إن كان ذلك النعت لا يمكن تبعيته للمنعوت ، فيكون إذ ذاك نعتاً للنعت الأول ، نحو قولك : يا أيها الفارس ذو الجمة . وأجاز أبو محمد مكي نصبه بإضمار أعني ، وما قبله ليس بملتبس ، فيحتاج إلى مفسر له بإضمار أعني ، وأجاز أيضاً نصبه بتتقون ، وهو إعراب غث ينزه القرآن عن مثله . وإنما أتى بقوله الذي دون واو لتكون هذه الصفة وما قبلها راجعين إلى موصوف واحد ، إذ لو كانت بالواو لأوهم ذلك موصوفاً آخر ، لأن العطف أصله المغايرة . .
وجعل : بمعنى صيَّر ، لذلك نصبت الأرض . وفراشاً ، ولكم متعلق بجعل ، وأجاز بعضهم أن ينتصب فراشاً وبناء على الحال ، على أن يكون جعل بمعنى خلق ، فيتعدى إلى واحد ، وغاير اللفظ كما غاير في قوله : { خُلِقَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } ، ولأنه قصد إلى ذكر جملتين ، فغاير بين اللفظين لأن التكرار ليس في الفصاحة ، كاختلاف اللفظ والمدلول واحد . وأدغم أبو عمرو لام جعل في لام لكم ، والألف واللام في الأرض يجوز أن تكون للجنس الخاص ، فيكون المراد أرضاً مخصوصة ، وهي كل ما تمهد واستوى من الأرض وصلح أن يكون فراشاً . ويجوز أن تكون لاستغراق الجنس ، ويكون المراد بالفراش مكان الاستقرار واللبث لكل حيوان . فالوهد مستقر بني آدم وغيرهم من الحيوانات ، والجبال والحزون مستقر لبعض الآدميين بيوتاً أو حصوناً ومنازل ، أو لبعض الحيوانات وحشاً وطيراً يفترشون منها أوكاراً ، ويكون الامتنان على هذا مشتملاً على كل من جعل الأرض له قراراً . وغلب خطاب من يعقل على من لا يعقل ، أو يكون خطاب الامتنان وقع على من يعقل ، لأن ما عداهم من الحيوانات معد لمنافعهم ومصالحهم ، فخلقها من جملة المنة على من يعقل . وقرأ يزيد الشامي : بساطاً ، وطلحة : مهاداً . والفراش ، والمهاد ، والبساط ، والقرار ، والوطاء نظائر . .
وقد استدل بعض المنجمين بقوله : { جَعَلَ لَكُمُ الاْرْضَ فِرَاشاً } على أن الأرض مبسوطة لا كروية ، وبأنها لو كانت كروية ما استقر ماء البحار فيها . أما استدلاله بالآية فلا حجة له في ذلك ، لأن الآية لا تدل على أن الأرض مسطحة ولا كروية ، إنما دلت على أن الناس يفترشونها كما يتقلبون بالمفارش ، سواء كانت على شكل السطح أو على شكل الكرة ، وأمكن الافتراش فيها لتباعد أقطارها واتساع جرمها . قال الزمخشري : وإذا كان يعني الافتراش سهلاً في الجبل ، وهو وتد من أوتاد الأرض ، فهو أسهل في الأرض ذات الطول والعرض . وأما استدلاله باستقرار ماء البحار فيها فليس بصحيح ، قالوا : لأنه يجوز أن تكون كروية ويكون في جزء منها منسطح يصلح للاستقرار ، وماء البحر متماسك بأمر الله تعالى لا بمقتضى الهيئة ، انتهى قولهم . ويجوز أن يكون بعض الشكل الكروي مقراً للماء إذا كان الشكل ثابتاً غير دائر ، أما إذا كان دائراً فيستحيل عادة قراره في مكان واحد من ذلك الشكل الكروي . وهذه مسألة يتكلم عليها في علم الهيئة . .
وقوله تعالى : { وَالسَّمَاء بِنَاء * هُوَ * قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ * وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } ، شبهت بالقبة المبنية على الأرض ، ويقال لسقف البيت بناء ، والسماء للأرض كالسقف ، روي هذا عن ابن عباس وجماعة . وقيل : سماها بناء ، لأن سماء البيت يجوز أن يكون بناء غير بناء ، كالخيام والمضارب