@ 252 @ والحسن : قولوا لهن في المضاجع هجراً ، أي كلاماً غليظاً . وقيل : اهجروهن في الكلام ثلاثة أيام فما دونها . وكنى بالمضاجع عن البيوت ، لأن كل مكان يصلح أن يكون محلاً للاضطجاع . وقال النخعي ، والشعبي ، وقتادة ، والحسن : من الهجران ، وهو البعد وقيل : اهجروهن بترك الجماع والاجتماع ، وإظهار التجهم ، والإعراض عنهن مدة نهايتها شهراً كما فعل عليه السلام ( حين حلف أن لا يدخل على نسائه شهراً ) وقيل : اربطوهن بالهجار ، وأكرهوهن على الجماع من قولهم : هجر البعير إذا شده بالهجار ، وهو حبل يشدّ به البعير قاله : الطبري ورجحه . وقدح في سائر الأقوال . وقال الزمخشري في قول الطبري : وهذا من تفسير الثقلاء انتهى . وقيل في للسبب : أي اهجروهن بسبب تخلفهن عن الفرش . وقرأ عبد الله والنخعي : في المضجع على الأفراد وفيه معنى الجمع ، لأنه اسم جنس . .
وضربهن هو أن يكون غير مبرح ولا ناهك ، كما جاء في الحديث . قال ابن عباس : بالسواك ونحوه . والضرب غير المبرح هو الذي لا يهشم عظماً ، ولا يتلف عضواً ، ولا يعقب شيئاً ، والناهك البالغ ، وليجتنب الوجه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم ) : ( علق سوطك حيث يراه أهلك ) وعن أسماء بنت الصديق رضي الله عنها : كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير ، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها . وهذا يخالف قول ابن عباس ، وكذلك ما رواه ابن وهب عن مالك : أن أسماء زوج الزبير كانت تخرج حتى عوتبت في ذلك وعيب عليها وعلى ضرّاتها ، فعقد شعر واحدة بالأخرى ، ثم ضربهما ضرباً شديداً ، وكانت الضرّة أحسن اتقاء ، وكانت أسماء لا تتقي الضرب ، فكان الضرب بها أكثر ، فشكت إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال : يا بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ، ولعله أن يكون زوجك في الجنة . .
وظاهر الآية يدل : على أنه يعظ ، ويهجر في المضجع ، ويضرب التي يخاف نشوزها . ويجمع بينها ، ويبدأ بما شاء ، لأن الواو لا ترتب . وقال بهذا قوم وقال الجمهور : الوعظ عند خوف النشوز ، والضرب عند ظهوره . وقال ابن عطية : هذه العظة والهجر والضرب مراتب ، إن وقعت الطاعة عند إحداها لم يتعد إلى سائرها . وقال الزمخشري : أمر بوعظهن أولاً ، ثم بهجرانهن في المضاجع ، ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ والهجران . وقال الرازي ما ملخصه : يبدأ بلين القول في الوعظ ، فإن لم يفد فبخشنه ، ثم يترك مضاجعتها ، ثم بالإعراض عنها كلية ، ثم بالضرب الخفيف كاللطمة واللكزة ونحوها مما يشعر بالاحتقار وإسقاط الحرمة ، ثم بالضرب بالسوط والقضيب اللين ونحوه مما يحصل به الألم والإنكاء ولا يحصل عنه هشم ولا إراقة دم ، فإن لم يفد شيء من ذلك ربطها بالهجار وهو الحبل ، وأكرهها على الوطء ، لأن ذلك حقه . وأي شيء من هذه رجعت به عن نشوزها على ما رتبناه لم يجز له أن ينتقل إلى غيره لقوله : . .
{ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } انتهى . وقوله : فإن أطعنكم أي : وافقنكم وانقدن إلى ما أوجب الله عليهن من طاعتكم . يدل على أنهن كن عاصيات بالنشوز ، وأن النشوز منهن كان واقعاً ، فإذن ليس الأمر مرتباً على خوف النشوز . وآخرها يدل على أنه مرتب على عصيانهن بالنشوز ، فهذا مما حمل على تأول الخوف بمعنى التيقن . والأحسن عندي أن يكون ثمّ معطوفاً حذف لفهم المعنى واقتضائه له ، وتقديره : واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن . كما حذف في قوله : { أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ * فَانفَجَرَتْ } تقديره فضرب فانفجرت ، لأن الانفجار لا يتسبب عن الأمر ، إنما هو متسبب عن الضرب . فرتبت هذه الأوامر على الملفوظ به . والمحذوف : أمر بالوعظ عند خوف النشوز ، وأمر بالهجر والضرب عند النشوز . .
ومعنى فلا تبغوا : فلا تطلبوا عليهن سبيلاً من السبل الثلاثة المباحة وهي : الوعظ ، والهجر ، والضرب . وقال سفيان : معناه لا تكلفوهن ما ليس في