@ 247 @ فقيل : المحذوف إنسان ، وقيل : المحذوف مال . والمولى : لفظ مشترك بين معان كثيرة ، منها : الوارث وهو الذي يحسن أن يفسر به هنا ، لأنه يصلح لتقدير إنسان وتقدير مال ، وبذلك فسر ابن عباس وقتادة والسدي وغيرهم : أن الموالي العصبة والورثة ، فإذا فرّ عنا على أنّ المعنى : ولكلّ إنسان ، احتمل وجوهاً : .
أحدها : أن يكون لكلّ متعلقاً بجعلنا ، والضمير في ترك عائد على كل المضاف لإنسان ، والتقدير : وجعل لكل إنسان وارثاً مما ترك ، فيتعلق مما بما في معنى موالي من معنى الفعل ، أو بمضمر يفسره المعنى ، التقدير : يرثون مما ترك ، وتكون الجملة قد تمت عند قوله : مما ترك ، ويرتفع الولدان على إضمار كأنه قيل : ومن الوارث ؟ فقيل : هم الوالدان والأقربون ورّاثاً ، والكلام جملتان . .
والوجه الثاني : أن يكون التقدير وجعلنا لكل إنسان موالي ، أي ورّاثاً . ثم أضمر فعل أي : يرث الموالي مما ترك الوالدان ، فيكون الفاعل بترك الوالدان . وكأنه لما أبهم في قوله : وجعلنا لكل إنسان موالي ، بيَّن أن ذلك الإنسان الذي جعل له ورثة هو الوالدان والأقربون ، فأولئك الورّاث يرثون مما ترك والداهم وأقربوهم ، ويكون الوالدان والأقربون موروثين . وعلى هذين الوجهين لا يكون في : جعلنا ، مضمر محذوف ، ويكون مفعول جعلناه لفظ موالي . والكلام جملتان . .
الوجه الثالث : أن يكون التقدير : ولكل قوم جعلناهم موالي أي : ورّاثاً نصيب مما ترك والداهم وأقربوهم ، فيكون جعلنا صفة لكلَ ، والضمير من الجملة الواقعة صفة محذوف ، وهو مفعول جعلنا . وموالي منصوب على الحال ، وفاعل ترك الوالدان . والكلام منعقد من مبتدأ وخبر ، فيتعلق لكل بمحذوف ، إذ هو خبر المبتدأ المحذوف القائم مقامه صفته وهو الجار والمجرور ، إذ قدر نصيب مما ترك . والكلام إذ ذاك جملة واحدة كما تقول : لكل من خلقه الله إنساناً من رزق الله ، أي حظ من رزقه الله . وإذا فرعنا على أن المعنى : ولكل مال ، فقالوا : التقدير ولكل مال مما تركه الوالدان والأقربون ، جعلنا موالي أي ورّاثاً يلونه ويحرزونه . وعلى هذا التقدير يكون مما ترك في موضع الصفة لكل ، والوالدان واوقربون فاعل بترك ويكونون موروثين ، ولكل متعلق بجعلنا . إلا أن في هذا التقدير الفصل بين الصفة والموصوف بالجملة المتعلقة بالفعل الذي فيها المجرور وهو نظير قولك : بكل رجل مررت تميمي ، وفي جواز ذلك نظر . .
واختلفوا في المراد بالمعاقدة هنا . فقال ابن عباس ، وابن جبير ، والحسن ، وقتادة وغيرهم : هي الحلف . فإنّ العرب كانت تتوار بالحلف ، فقرر ذلك بهذه الآية ثم نسخ بقوله : { وَأُوْلُواْ الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } وعنه أيضاً هي : الحلف ، والنصيب هو المؤازرة في الحق والنصر ، والوفاء بالكلف ، لا الميراث . وقال ابن عباس أيضاً : هي المؤاخاة ، كانوا يتوارثون بها حتى نسخ . وعنه كان المهاجرون يرثون الأنصار دون ذوي رحمهم حتى نسخ بما تقدم ، وبقي اثنان : النصيب من النصر والمعونة ، ومن المال على جهة الندب في الوصية . وقال ابن المسيب : هي التبني والنصيب الذي أمرنا بإتيانه ، هو الوصية لا الميراث ، ومعنى عاقدت أيمانكم في هذا القول : عاقدتهم أيمانكم وما سحتموهم . وقيل : كانوا يتوارثون بالتبني لقوم يموتون قبل الوصية ووجوبها ، فأمر الموصي أن يؤديها إلى ورثة الموصي له . وقيل : المعاقدة هنا الزواج ، والنكاح يسمى عقداً ، فذكر الوالدين والأقربين ، وذكر معهم الزوج والزوجة . وقيل : المعاقدة هنا الولاء . وقيل : هي حلف أبي بكر الصديق أن لا يورث عبد الرحمن شيئاً ، فلما أسلم أمره الله أن يؤتيه نصيبه من المال ، قال أبو روق : وفيهما نزلت . .
فتلخص من هذه الأقوال في المعاقدة أهي الحلف أن لا يورث الحالف ؟ أم المؤاخاة ؟ أم التبني ؟ أم الوصية المشروحة ؟ أم الزواج ؟ أم الموالاة ؟ سبعة أقوال . قال ابن عطية : ولفظة المعاقدة والإيمان ترجح أنّ المراد الأحلاف ، لأنّ ما ذكر من غير الأحلاف ليس في جميعه معاقدة ولا أيمان انتهى . .
وكيفية الحلف في الجاهلية : كان الرجل يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك ، وهدمي هدمك ، وناري نارك ، وحربي حربك ، وسلمي سلمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك ، وتعقل عني وأعقل عنك . فيكون للحليف التسدس من ميراث الحليف ، فنسخ الله ذلك . وعلى الأقوال السابقة جاء الخلاف في قوله : { وَالَّذِينَ * فِى أَيْمَانِكُمْ } أهو منسوخ أم لا ؟ وقد استدل بها على