@ 241 @ والجمهور . وقال بعضهم : الآية مجملة ، لأن معنى قوله : بالباطل ، بطريق غير مشروع . ولمّا لم تكن هذه الطريق المشروعة مذكورة هنا على التفصيل ، صارت الآية مجملة . وإضافة الأموال إلى المخاطبين معناه : أموال بعضكم . كما قال تعالى : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وقوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } وقيل : يشمل قوله : أموالكم ، مال الغير ومال نفسه . فنهى أن يأكل مال غيره إلا بطريق مشروع ، ونهى أن يأكل مال نفسه بالباطل ، وهو : إنفاقه في معاصي الله تعالى . وعبر هنا عن أخذ المال بالأكل ، لأن الأكل من أغلب مقاصده وألزمها . .
{ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ } هذا استثناء منقطع لوجهين : أحدهما : أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل فتستثنى منها سواء أفسرت قوله بالباطل بغير عوض كما قال : ابن عباس ، أم بغير طريق شرعي كما قاله غيره . والثاني : أن الاستثناء إنما وقع على الكون ، والكون معنى من المعاني ليس مالاً من الأموال . ومن ذهب إلى أنه استثناء متصل فغير مصيب لما ذكرناه . وهذا الاستثناء المنقطع لا يدل على الحصر في أنه لا يجوز أكل المال إلا بالتجارة فقط ، بل ذكر نوع غالب من أكل المال به وهو : التجارة ، إذ أسباب الرزق أكثرها متعلق بها . .
وفي قوله : عن تراض دلالة على أنّ ما كان على طريق التجارة فشرطه التراضي ، وهو من اثنين : الباذل للثمن ، والبائع للعين . ولم يذكر في الآية غير التراضي ، فعلى هذا ظاهر الآية يدل على أنه لو باع ما يساوي مائة بدرهم جاز إذا تراضيا على ذلك ، وسواء أعلم مقدار ما يساوي أم لم يعلم . وقالت فرقة : إذا لم يعلم قدر الغبن وتجاوز الثلث ، ردّ البيع . وظاهرها يدل على أنه إذا تعاقد بالكلام أنه تراض منهما ولا خيار لهما ، وإن لم يتفرقا . وبه قال : أبو حنيفة ، ومالك ، وروى نحوه عن عمر . وقال الثوري ، والليث ، وعبيد الله بن الحسن ، والشافعي : إذا عقدا فهما على الخيار ما لم يتفرّقا ، واستثنوا صوراً لا يشترط فيها التفرق ، واختلفوا في التفرق . فقيل : بأن يتوارى كل منهما عن صاحبه . وقال الليث : بقيام كل منهما من المجلس . وكل من أوجب الخيار يقول : إذا خيره في المجلس فاختار ، فقد وجب البيع . وروى خيار المجلس عن عمر أيضاً . وأطال المفسرون بذكر الاحتجاج لكل من هذه المذاهب ، وموضوع ذلك كتب الفقه . .
والتجارة اسم يقع على عقود المعاوضات المقصود منها طلب الأرباح . وأن تكون في موضع نصب أي : لكن كون تجارة عن تراض غير منهي عنه . وقرأ الكوفيون : تجارة بالنصب ، على أن تكون ناقصة على قدير مضمر فيها يعود على الأموال ، أو يفسره التجارة ، والتقدير : إلا أن تكون الأموال تجارة ، أو يكون التقدير : إلا أن تكون التجارة تجارة عن تراض منكم . كما قال : إذا كان يوماً ذا كوكب أشنعا . أي إذا كان هواي اليوم يوماً ذا كوكب . واختار قراءة الكوفيين أبو عبيد ، وقرأ باقي السبعة : تجارة بالرفع ، على أنّ كان تامة . وقال مكي بن أبي طالب : الأكثر في كلام العرب أن قولهم إلا أن تكون في الاستثناء بغير ضمير فيها على معنى يحدث أو يقع ، وهذا مخالف لاختيار أبي عبيد . وقال ابن عطية : تمام كان يترجح عند بعض لأنها صلة ، فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها ، وهذا ترجيح ليس بالقوي ، ولكنه حسن انتهى ما ذكره . ويحتاج هذا الكلام إلى فكر ، ولعله نقص من النسخة شيء يتضح به هذا المعنى الذي أراده . وعن تراض : صفة للتجارة أي : تجارة صادرة عن تراض . .
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } ظاهره النهي عن قتل الإنسان نفسه كما يفعله بعض الجهلة بقصد منه ، أو بحملها على غرر يموت بسببه ، كما يصنع بعض الفتاك بالملوك ، فإنهم يقتلون الملك ويقتلون بلا شك . وقد