@ 194 @ بعد خروج ما يجب إخراجه بوصية ، أو بدين . وليس تعلق الدين والوصية بالتركة سواء ، إذ لو هلك من التركة شيء قبل القسمة ذهب من الورثة والموصى له جميعاً ، ويبقى الباقي بينهم بالشركة ، ولا يسقط من الدين شيء بهلاك شيء من التركة . وتفصيل الميراث على ما ذكروا أنه بعد الوصية يدل على أنه لا يراد ظاهر إطلاق وصية من جواز الوصية بقليل المال وكثيره ، بل دل ذلك على جواز الوصية بنقص المال . ويبين أيضاً ذلك قوله : { لّلرّجَالِ نَصِيبٌ } ، الآية . إذ لو جازت الوصية بجميع المال لكان هذا الجواز ناسخاً لهذه الآية ، وقد دل الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول على أن الوصية غير جائزة في أكثر من الثلث . وقد استحبوا النقصان عنه هذا إذا كان له وارث ، فإن لم يكن له وارث ، فقال مالك والأوزاعي والحسن بن صالح : لا تجوز الوصية إلا في الثلث . وقال شريك وأبو حنيفة وأصحابه : يجوز بجميع ماله ، لأنّ الامتناع في الوصية بأكثر من الثلث معلل بوجود الورثة ، فإذا لم يوجد وأجاز لظاهر إطلاق الوصية ، لأنه إذا فقد موجب تخصيص البعض جاز حمل اللفظ على ظاهره . .
وقد استدل بقوله : من بعد وصية يوصي بها أو دين ، على أنه إذا لم يكن دين لآدمي ولا وصية ، يكون جميع ماله لورثته وأنه إن كان عليه حج أو زكاة أو كفارة أو نذر لا يجب إخراجه إلا أن يوصي بذلك . وفي هذا الاستدلال نظر . والوصية مندوب إليها ، وقد كانت واجبة قبل نزول الفرائض فنسخت . وادعى قوم وجوبها . وتتعلق من بمحذوف أي : يستحقون ذلك ، كما فصل من بعد وصية ، ويوصي في موضع الصفة ، وبها متعلق بيوصي ، وهو مضارع وقع موقع الماضي . والمعنى : من بعد وصية أوصى بها . ومعنى : أو دين ، لزمه . وقدم الوصية على الدين ، وإن كان أداء الدين هو المقدم على الوصية بإجماع اهتماماً بها وبعثاً على إخراجها ، إذ كانت مأخوذة من غير عوض شاقاً على الورثة إخراجها مظنة للتفريط فيها ، بخلاف الدين . فإنّ نفس الوارث موطنة على أدائه ، ولذلك سوى بينها وبين الدين بلفظ : أو ، في الوجوب . أو لأنّ الوصية مندوب إليها في الشرع محضوض عليها ، فصارت للمؤمن كالأمر اللازم له . والدين لا يلزم أن يوجد ، إذ قد يكون على الميت دين وقد لا يكون ، فبدىء بما كان وقوعه كاللازم ، وأخر ما لا يلزم وجوده . ولهذه الحكمة كان العطف بأو ، إذ لو كان الدين لا يموت أحد إلا وهو راتب لازم له ، لكان العطف بالواو ، أو لأن الوصية حظ مساكين وضعاف ، والدين حظ غريم يطلبه بقوة . وله فيه مقال . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما معنى أو ؟ ( قلت ) : معناها الإباحة ، وأنه إن كان أحدهما أو كلاهما قدم على قسمة الميراث كقولك : جالس الحسن ، أو ابن سيرين انتهى . .
ودلت الآية على أن الميراث لا يكون إلا بعد إخراج ما وجب بالوصية أو الدين ، فدل على أنّ إخراج ما وجب بها سابق على الميراث ، ولم يدل على أنهما أسبق ما يخرج من مال الميت ، إذ الأسبق هو مؤنة تجهيزه من غسله وتكفينه وحمله ووضعه في قبره ، أو ما يحتاج إليه من ذلك . وقرأ الابنان وأبو بكر : يوصي فيهما مبنياً للمفعول ، وتابعهم حفص على الثاني فقط ، وقرأهما الباقون : مبنياً للفاعل . .
{ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً } قال ابن عباس والحسن : هو في الآخرة لا يدرون أي الوالدين أرفع درجة عند الله ليشفع في ولده ، وكذا الولد في والديه . وقال مجاهد وابن سيرين والسدي : معناه في الدّنيا ، أي : إذا اضطر إلى إنفاقهم للفاقة . ونحا إليه الزجاج ، وقد ينفقون دون اضطرار . وقال ابن زيد : في الدنيا والآخرة ، واللفظ يقتضي ذلك . وروى عن مجاهد : أقرب لكم نفعاً في الميراث والشفاعة . وقال ابن بحر : أسرع موتاً فيرثه الآخر . وقال ابن عيسى : أي فاقسموا الميراث على ما بين لكم من يعلم النفع والمصلحة ، فإنكم لا تدرون أنتم ذلك ،