@ 187 @ سديد متردد بين المعنيين ، فإنه يسدّد من قبل متبوعه ، ويسدّد لتابعه . .
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } نزلت في المشركين كانوا يأكلون أموال اليتامى ولا يورثونهم ولا النساء ، قاله : ابن زيد . وقيل : في حنظلة بن الشمردل ، ولي يتيماً فأكل ماله . وقيل : في زيد بن زيد الغطفاني ولي مال ابن أخيه فأكله ، قاله : مقاتل . وقال الأكثرون : نزلت في الأوصياء الذين يأكلون من أموال اليتامى ما لم يبح لهم ، وهي تتناول كل أكل بظلم لم يكن وصياً وانتصاب ظلماً على أنه مصدر في موضع الحال أو مفعول من أجله ، وخبران هي الجملة من قوله : إنما يأكلون . وفي ذلك دليل على جواز وقوع الجملة المصدرة بأن خبراً ، لأن وفي ذلك خلاف . وحسن ذلك هنا تباعدهما بكون اسم إنّ موصولاً ، فطال الكلام بذكر صلته . وفي بطونهم : معناه ملء بطونهم يقال : أكل في بطنه ، وفي بعض بطنه . كما قال : % ( كلوا في بعض بطنكم تعفوا % .
فإن زمانكم زمن خميص .
) % .
والظاهر : تعلق في بطونهم بيأكلون ، وقاله الحوفي . وقال أبو البقاء : هو في موضع الحال من قوله : ناراً . ونبّه بقوله : في بطونهم على نقصهم ، ووصفهم بالشره في الأكل ، والتهافت في نيل الحرام بسبب البطن . وأين يكون هؤلاء من قول الشاعر ؟ .
تراه خميص البطن والزاد حاضر .
وقول الشنفري : % ( وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن % .
بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل .
) % .
وظاهر قوله : ناراً أنهم يأكلون ناراً حقيقة . وفي حديث أبي سعيد عن ليلة الإسراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( رأيت قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صحراً من نار يخرج من أسافلهم ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ويأكلهم النار حقيقة ) قالت طائفة : وقيل : هو مجاز ، لما كان أكل مال اليتيم يجر إلى النار والتعذيب ، بها عبر عن ذلك بالأكل في البطن ، ونبه على الحامل على أخذ المال وهو البطن الذي هو أخس الأشياء التي ينتفع بالمال لأجلها ، إذ مآل ما يوضع فيه إلى الاضمحلال والذهاب في أقرب زمان . ولذلك قال : { أَمَّا * مَلأٌ * الإِنسَانَ * وِعَاء * شَرّاً * مِنْ * بَطْنِهِ } . .
وقرأ الجمهور : وسيصلون مبنياً للفاعل من الثلاثي . وقرأ ابن عامر وأبو بكر : بضم الياء وفتح اللام مبنياً للمفعول من الثلاثي . وابن أبي عبلة : بضم الياء وفتح الصاد واللام مشدّدة مبنياً للمفعول . والصلامن : التسخن بقرب النار ، والإحراق إتلاف الشيء بالنار . وعبر بالصلا بالنار عن العذاب الدائم بها ، إذ النار لا تذهب ذواتهم بالكلية ، بل كما قال : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } وهذا وعيد عظيم على هذه المعصية . وجاء يأكلون