@ 172 @ على أحد التخريجين فيه ، والتقدير : فانكحوا أي تزوجوا واحدة ، أوطئوا ما ملكت أيمانكم . ولم يقيد مملوكات اليمين بعدد ، فيجوز أن يطأ ما شاء منهن لأنه لا يجب العدل بينهن لا في القسم ولا في النفقة ولا في الكسوة . وقرأ الحسن والجحدري وأبو جعفر وابن هرمز : فواحدة بالرفع . ووجه ذلك ابن عطية على أنه مرفوع بالابتداء ، والخبر مقدر أي : فواحدة كافية . ووجهه الزمخشري على أنه مرفوع على الخبر أي : فالمقنع ، أو فحسبكم واحدة ، أو ما ملكت أيمانكم . وأو هنا لأحد الشيئين : إما على التخيير ، وإما على الإباحة . .
وروي عن أبي عمرو : فما ملكت أيمانكم يريد به الإماء ، والمعنى : على هذا أن خاف أن لا يعدل في عشرة واحدة فما ملكت يمينه . وقرأ ابن أبي عبلة : أو من ملكت أيمانكم ، وأسند الملك إلى اليمين لأنها صفة مدح ، واليمين مخصوصة بالمحاسن . ألا ترى أنها هي المنفقة في قوله : ( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) وهي المعاهدة والمتلقية لرايات المجد ، والمأمور في تناول المأكول بالأكل بها ، والمنهي عن الاستنجاء بها . وهذان شرطان مستقلان لكل واحد منهما جواب مستقل ، فأول الشرطين : وإن ختفم أن لا تقسطوا ، وجوابه : فانكحوا . صرف من خاف من الجور في نكاح اليتامى إلى نكاح البالغات منهن ومن غيرهن وذكر تلك الأعداد . وثاني الشرطين قوله : فإن خفتم أن لا تعدلوا وجوابه : فواحدة ، أو ما ملكت أيمانكم صرف من خاف من الجور في نكاح ما ذكر من العدد إلى نكاح واحدة ، أو تسرّ بما ملك وذلك على سبيل اللطف بالمكلف والرفق به ، والتعطف على النساء والنظر لهن . .
وذهب بعض الناس إلى أن هذه الجمل اشتملت على شرط واحد ، وجملة اعتراض . فالشرط : وإن خفتم أن لا تقسطوا ، وجوابه : فواحدة . وجملة الاعتراض قوله : فانكحوا ما طاب لكمك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، وكرر الشرط بقوله : فإن خفتم أن لا تعدلوا . لما طال الكلام بالاعتراض إذ معناه : كما جاء في فلما جاءهم ما عرفوا بعد قوله ، ولما جاءهم كتاب من عند الله إذ طال الفصل بين لما وجوابها فأعيدت . وكذلك { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ } بعد قوله : { لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ } إذ طال الفصل بما بعده بين : لا تحسبن ، وبين بمفازة ، فأعيدت الجملة ، وصار المعنى على هذا التقدير ، إن لم تستطيعوا أن تعدلوا فانكحوا واحدة . قال : وقد ثبت أنهم لا يستطيعون العدل بقوله : { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } انتهى هذا القول وهو منسوب إلى أبي علي . ولعله لا يصح عنه ، فإن أبا علي كان من علم النحو بمكان ، وهذا القول فيه إفساد نظم القرآن التركيبي ، وبطلان للأحكام الشرعية : لأنه إذا أنتج من الآيتين هذه وقوله : ولن تستطيعوا بما نتج من الدلالة ، اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوج غير واحدة ، أو يتسرّى بما ملكت يمينه . ويبقى هذا الفصل بالاعتراض بين الشرط وبين جوابه لغواً لا فائدة له على زعمه . والعدل المنفي استطاعته غير هذا العدل المنفي هنا ، ذاك عدل في ميل القلب وقد رفع الحرج فيه عن الإنسان ، وهذا عدل في القسم والنفقة . ولذلك نفيت هناك استطاعته ، وعلق هنا على خوف انتفائه ، لأن الخوف فيه رجاء وظن غالباً . وانتزع الشافعي من قوله : فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، أن الاشتغال بنوافل العبادات أفضل من الاشتغال بالنكاح ، خلافاً لأبي حنيفة ، إذ عكس . ووجه انتزاعه ذلك واستدلاله بالآية أنه تعالى خير بين تزوج الواحدة والتسري ، والتخيير بين الشيئين مشعر بالمساواة بينهما في الحكمة المطلوبة ، والحكمة سكون النفس بالأزواج ، وتحصين الدين ومصالح البيت ، وكل ذلك حاصل بالطريقين ، وأجمعنا على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري ، فوجب أن يكون أفضل من النكاح ، لأن الزائد على المتساويين يكون زائداً على المساوي الثاني لا محالة . .
{ ذَلِكَ أَدْنَى أَن * لا * تَعْدِلُواْ } الإشارة إلى اختيار الحرة الواحدة والأمة . أدنى من الدنو أي : أقرب أن لا تعولوا ، أي : أن لا تميلوا عن الحق .