@ 169 @ البقرة . وحسنَّ هذا القول الزمخشري بقوله : وحقيقته ولا تضموها إليها في الإنفاق حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم ، وتسوية بينه وبين الحلال . قال : ( فإن قلت ) قد حرم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم ، فلم ورد النهي عن أكله معها ؟ ( قلت ) : لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال ، وهم على ذلك يطمعون فيها ، كان القبح أبلغ والذم أحق . ولأنهم كانوا يفعلون ذلك فتعي عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم انتهى كلامه . وملخصه أن قوله : إلى أموالكم ليس قيداً للاحتراز ، إنما جيء به لتقبيح فعلهم ، ولأن يكون نهياً عن الواقع ، فيكون نظير قوله : { أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } وإن كان الربا على سائر أحواله منهياً عنه . وما قدمناه نحن يكون ذلك قيداً للاحتراز ، فإنه إذا كان الولي فقيراً جاز أن يأكل بالمعروف ، فيكون النهي منسحباً على أكل مال اليتيم لمن كان غنياً كقوله : { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } . .
{ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } قرأ الجمهور بضم الحاء ، والحسن بفتحها وهي لغة بني تميم وغيرهم ، وبعض القراء : إنه كان حاباً كبيراً ، وكلها مصادر . قال ابن عباس والحسن وغيرهما : الحوب الإثم . وقيل : الظلم . وقيل : الوحشة . والضمير في إنه عائد على الأكل . وقيل : على لتبدل . وعوده على الأكل أقرب لقربه منه ، ويجوز أن يعود عليهما . كأنه قيل : إن ذلك كما قال : % ( فيها خطوط من سواد وبلق % .
كأنه في الجلد توليع البهق .
) % .
أي كان ذلك { وَإِنْ خِفْتُمْ * أَن لا * تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أنها قالت : { نزلت في أولياء اليتامى الذين يعبجهم جمال ولياتهم فيريدون أن يبخسوهم في المهر لمكان ولا يتهم عليهن . قيل لهم : أقسطوا في مهورهن ، فمن خاف أن لا يقسط فليتزوج ما طاب له من الاجنبيات اللواتي بما كسن في حقوقهن . وقاله أيضاً ربيعة . وقال عكرمة : نزلت في قريش يتزوج منهم الرجل العشرة وأكثر وأقل ، فإذا ضاق ماله مال على مال يتيمه فيتزوج منه ، فقيل له : إن خفتم عجز أموالكم حتى تجوروا في اليتامى فاقتصروا . وقال ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة ، والسدي : كانت العرب تتخرج في أموال اليتامى ولا تتحرج في العدل بين النساء ، يتزوجون العشرة فأكثر ، فنزلت في ذلك : كما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك فتحرجوا في النساء ، وانكحوا على هذا الحد الذي يبعد الحور عنه . وقال مجاهد : إنما الآية تحذير من الزنا وزجر عنه ، كما تتحرجون في مال اليتامى فكذلك تحرجوا من الزنا ، وانكحوا على ما حد لكم . وعلى هذه الأقوال غير الأول لا يختص اليتامى بإناث ولا ذكور ، وعلى ما روي عن عائشة يكون مختصاً بالإناث كأنه قيل في يتامى النساء . .
والظاهر من هذه الأقوال أن يكون التقدير : وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح يتامى النساء فانكحوا ما طاب لكم من غيرهن ، لما أمروا بأن يؤتوا اليتامى أموالهم ، ونهوا عن الاستبدال المذكور ، وعن أكل أموال اليتامى ، كان في ذلك مزيداً اعتناء باليتامى واحتراز من ظلمهم كما قال تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً } فحوطب أولياء يتامى النساء أو الناس بقوله : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أي : في نكاح يتامى النساء ، فانكحوا غيرهن ، وعلى هذا الذي اخترناه من أن المعنى في نكاح اليتامى . فاليتامى إن كان أريد به اليتم