@ 163 @ خلقكم دليلاً على التوحيد ، ومن نفس واحدة دليلاً على النبوّة انتهى . .
وفي قوله : من نفس واحدة إشارة إلى ترك المفاخرة والكبر ، لتعريفه إياهم بأنهم من أصل واحد ودلالة على المعاد ، لأن القادر على إخراج أشخاص مختلفين من شخص واحد فقدرته على إحيائهم بطريق الأولى . وزوجها : هي حواء . وظاهر منها ابتداء خلق حوّاء من نفسه ، وأنه هو أصلها الذي اخترعت وأنشئت منه ، وبه قال : ابن عباس ، ومجاهد ، والسدّي . وقتادة قالوا إن الله تعالى خلق آدم وحشاً في الجنة وحده ، ثم نام فانتزع الله تعالى أحد أضلاعه القصرى من شماله . وقيل : من يمينه ، فحلق منها حواء . قال ابن عطية : ويعضد هذا القول الحديث الصحيح في قوله عليه السلام : ( إن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها ) . انتهى . ويحتمل أن يكون ذلك على جهة التمثيل لاضطراب أخلاقهن ، وكونهن لا يثبتن على حالة واحدة ، أي : صعبات المراس ، فهي كالضلع العوجاء كما جاء خلق الإنسان من عجل . ويؤيد هذا التأويل قوله : إن المرأة ، فأتى بالجنس ولم يقل : إن حوّاء . وقيل : هو على حذف مضاف ، التقدير : وخلق من جنسها زوجها قاله : ابن بحر وأبو مسلم لقوله : { مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً } { وَرَسُولاً * مِنْهُمْ } . قال القاضي : الأول أقوى ، إذ لو كانت حواء مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة . ويمكن أن يجاب عنه بأن كلمة من لابتداء الغاية ، فلما كان ابتداء الخلق وقع بآدم ، صح أن يقال خلقكم من نفس واحدة . ولما كان قادراً على خلق آدم من التراب كان قادراً على خلق حواء أيضاً كذلك . وقيل : لا حذف ، والضمير في منها ، ليس عائداً على نفس ، بل هو عائد على الطينة التي فصلت عن طينة آدم . وخلقت منها حواء أي : أنها خلقت مما خلق منه آدم . وظاهر قول ابن عباس ومن تقدم : أنها خلقت وآدم في الجنة ، وبه قال : ابن مسعود . وقيل : قبل دخوله الجنة وبه قال : كعب الأحبار ووهب ، وابن إسحاق . وجاءت الواو في عطف هذه الصلة على أحد محاملها ، من أنَّ خلق حواء كان قبل خلق الناس . إذ الواو لا تدل على ترتيب زماني كما تقرر في علم العربية ، وإنما تقدم ذكر الصلة المتعلقة بخلق الناس ، وإن كان مدلولها واقعاً بعد خلق حواء ، لأجل أنهم المنادون المأمورون بتقوى ربهم . فكان ذكر ما تعلق بهم أولاً آكد ، ونظيره : { قَدِيرٌ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } ومعلوم أنّ خلقهم تأخر عن خلق من قبلهم . ولكنهم لما كانوا هم المأمورين بالعبادة والمنادين لأجلها ، اعتنى بذكر التنبيه على إنشائهم أولاً ، ثم ذكر إنشاء من كان قبلهم . وقد تكلف الزمخشري في إقرار ما عطف بالواو متأخراً عن ما عطف عليه ، فقدر معطوفاً عليه محذوفاً متقدماً على المعطوف في الزمان ، فقال : يعطف على محذوف كأنه قيل : من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها وخلق منها زوجها ، وإنما حذف لدلالة المعنى عليه . والمعنى : شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها ، وهي أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حوّاء من ضلع من أضلاعها . ولا حاجة إلى تكلف هذا الوجه مع مساغ الوجه الذي ذكرناه على ما اقتضته العربية . وقد ذكر ذلك الوجه الزمخشري فقال : يعطف على خلقكم . ويكون الخطاب في : يا أيها الناس الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . والمعنى : خلقكم من نفس آدم ، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه ، وخلق منها أمكم حوّاء انتهى . ويجوز أن يكون قوله : وخلق منها زوجها معطوفاً على اسم الفاعل الذي هو واحدة التقدير من نفس وحدت ، أي انفردت . وخلق منها زوجها ، فيكون نظير { صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } وتقول العرب : وحد يحد وحدا ووحدة ، بمعنى انفرد . .
ومن غريب التفسير أنه عنى بالنفس الروح المذكورة فيما قيل أنه قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله خلق الأرواح قبل الأجسام بكذا وكذا سنة ) وعنى بزوجها البدن ، وعنى بالخلق التركيب . وإلى نحوه أشار بقوله تعالى : { وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } وقوله : { سُبْحَانَ الَّذِى خَلَق الاْزْواجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الاْرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ } ولا يصح ذلك في النبات إلا على معنى التركيب . وبدأ بذكر الزوجين والأزواج في الأشياء على أنها لا تنفك من تركيب