@ 139 @ المكذبين الكاذبين على الله من اليهود والمنافقين وذكرهم المؤمنين ، نبهوا كلهم على أنهم ميتون ومآلهم إلى الآخرة ، ففيها يظهر الناجي والهالك ، وأنَّ ما تعلقوا به في الدنيا من مال وأهل وعشيرة إنما هو على سبيل التمتع المغرور به ، كلها تضمحل وتزول ولا يبقى إلا ما عمله الإنسان ، وهو يوفاه في الآخرة ، يوفى على طاعته ومعصيته . .
وقال محمد بن عمر الرازي : في هذه الآية دلالة على أن النفس لا تموت بموت البدن ، وعلى أن النفس . غير البدن انتهى . وهذه مكابرة في الدلالة ، فإنّ ظاهر الآية يدل على أن النفس تموت . قال أيضاً : لفظ النفس مختص بالأجسام انتهى . وقرأ اليزيدي : ذائقة بالتنوين ، الموت بالنصب ، وذلك فيما نقله عنه الزمخشري . ونقلها ابن عطية عن أبي حيوة ، ونقلها غيرهما عن الأعمش ، ويحيى ، وابن أبي إسحاق . وقرأ الأعمش فيما نقله الزمخشري ذائقة بغير تنوين الموت بالنصب ومثله : % ( فألفيته غر مستعتب % .
ولا ذاكر الله إلا قليلا .
) % .
حذف التنوين لالتقاء الساكنين ، كقراءة من قرأ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ } بحذف التنوين من أحد { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } لفظ التوفية يدل على التكميل يوم القيامة ، فما قبله من كون القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، هو بعض الأجور . وما لم يدخل الجنة أو النار فهو غير موفى . والذي يدل عليه السياق أنّ الأجور هي ما يترتب على الطاعة والمعصية ، وإن كان الغالب في الاستعمال أنّ الأجر هو ما يترتب على عمل الطاعة . ولهذا قال ابن عطية : وخص تعالى ذكر الأجور لشرفها ، وإشارة إلى مغفرته لمحمد صلى الله عليه وسلم ) وأمّته . ولا محالة أنّ يوم القيامة يقع فيه الأجور ، وتوفية العقوبات انتهى . .
{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } علق الفوز وهو نيل الحظ من الخير والنجاة من الشرّ على التنحية من النار ودخول الجنة ، لأن من لم ينج عن النار بل أدخلها ، وإن كان سيدخل الجنة لم يفز كمن يدخلها من أهل الكبائر . ومن نحى عنها ولم يدخل الجنة كأصحاب اوعراف ، لم يفز أيضاً . وروي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( من سره أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ، قيل : فاز معناه نجا . وقيل : سبق . وقيل : غنم . .
{ وَما الْحَيَواةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } المتاع : ما يستمتع به من آلات وأموال وغير ذلك . وفسرّه عكرمة : بالفأس ، والقصعة ، والقدر . وفسره الحسن فقال : هو كخضرة النبات ، ولعب البنات لا حاصل له يلمع لمع السراب ، ويمر مرّ السحاب ، وهذا من عكرمة والحسن على سبيل التمثيل . قال الزمخشري : شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، ثم يتبين له فساده ورداءته ، والشيطان هو المدلس . الغرور انتهى . وقال سعيد بن جبير : إنما هذا المن آثرها على الآخرة ، فأمّا من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ . وقال عكرمة أيضاً : متاع الغرور القوارير التي لا بد لها من الانكسار والفساد ، فكذلك أمر الدنيا كله . وهذا تشبيه من عكرمة والغرور الخدع والترجئة بالباطل . وقال عبد الرحمن بن سابط : متاع الغرور كزاد الراعي يزود الكف من التمر والشيء من الدقيق يشرب عليه