@ 129 @ الزجاج : هؤلاء قوم أعلم الله نبيه أنهم لا يؤمنون أبداً ، وليست في كل كافر ، إذ قد يكون الإملاء مما يدخله في الإيمان ، فيكون أحسن له . وقال مكي : هذا هو الصحيح من المعاني . وقال ابن عطية : معنى هذه الآية الرد على الكفار في قولهم : إنّ كوننا ظاهرين ممولين أصحة دليل على رضا الله بحالنا واستقامة طريقتنا عنده . وأخبر الله تعالى أنَّ ذلك التأخير والإهمال إنما هو إملاء واستدراج لتكثير الآثام . قال عبد الله بن مسعود : ما من نفس برّة ولا فاجرة إلا والموت خير لها أمّا البرّة فلتسرع إلى رحمة الله . وقرأ : { وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لّلابْرَارِ } وأما الفاجرة فلئلا تزداد إثماً ، وقرأ هذه الآية انتهى . .
وقال الزمخشري : والإملاء لهم تحليتهم ، وشأنهم مستعار من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء . وقيل : هو إمهالهم وإطالة عمرهم ، والمعنى : أن الإملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم ، إنَّما نملي لهم جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها ، كأنه قيل : ما بالهم يحسبون الإملاء خيراً لهم ، فقيل : إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً . ( فإن قلت ) : كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضاً لله تعالى في إملائه لهم ؟ ( قلت ) : هو علة الإملاء ، وما كلّ علة بغرض . ألا تراك تقول : قعدت عن الغزو للعجز والفاقة ، وخرجت من البلد لمخافة الشرّ ، وليس شيء منها بغرض لك ، وإنما هي علل وأسباب . فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإملاء ، وسبباً فيه . ( فإن قلت ) : كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء ، كما كان العجز علة للقعود عن الحرب ؟ ( قلت ) : لمّا كان في علم الله المحيط بكلّ شيء أنَّهم مزدادون إثماً ، فكان الإملاء وقع لأجله وبسببه على طريق المجاز انتهى كلامه . وكله جار على طريقة المعتزلة . وقال الماتريدي : المعتزلة تناولوها على وجهين : أحدهما : على التقديم والتأخير . أي : ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادو إثماً ، إنما نملي لهم خير لأنفسهم . الثاني : أنّ هذا إخبار منه سبحانه وتعالى عن حسبانهم فيما يؤول إليه أمرهم في العاقبة ، بمعنى أنهم حسبوا أن إمهالهم في الدّنيا وإصابتهم الصحة والسلامة والأموال خير لأنفسهم في العاقبة ، بل عاقبة ذلك شرٌّ . وفي التأويل إفساد النظم ، وفي الثاني تنبيه على من لايجوز تنبيهه . فإنّ الأخبار عن العاقبة يكون لسهو في الابتداء أو غفله ، والعالم في الابتداء لا ينبه نفسه انتهى كلامه . وكتبوا ما متصلة بأن في الموضعين . قيل : وكان القياس الأولى في علم الخط أن تكتب مفصوله ، ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا تخالف ، ونتبع سنة الإمام في المصاحف . وأما الثانية ، فحقها أن تكتب متصلة لأنها كافة دون العمل ، ولا يجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي . ولا مصدرية ، لأن لازم كي لا يصحّ وقوعها خبر للمبتدأ ولا لنواسخه . وقيل : اللام في ليزدادوا للصيرورة . { وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } هذه الواو في : ولهم ، للعطف . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فما معنى قوله : ولهم عذاب مهين على هذه القراءة ، يعني قراءة يحيى بن وثاب بكسر إنما الأولى وفتح الثانية ؟ ( قلت ) : معناه ولا تحسبوا أن إملاءنا الزيادة الإثم وللتعذيب ، والواو للحال . كأنه قيل : ليزدادوا إثماً معداً لهم عذاب مهين انتهى . والذين نقلوا قراءة يحيى لم يذكروا أن أحداً قرأ الثانية بالفتح إلا هو ، إنما ذكروا أنه قرأ الأولى بالكسر . ولكنّ الزمخشري من ولوعه بنصرة مذهبه يروم رد كل شيء إليه . ولما قرر في هذه القراءة أنّ المعنى على نهي الكافر أن يحسب إنما يملي الله لزيادة الإثم ، وأنه إنما يملي لأجل الخير كان قوله : ولهم عذاب مهين يدفع هذا التفسير ، فخرج ذلك على أن الواو للحال حتى يزول هذا التدافع الذي بين هذه القراءة وبين ظاهر آخر الآية . ووصف تعالى عذابه في مقاطع هذه الآيات الثلاث : بعظيم ، وأليم ، ومهين . ولكل من هذه الصفات