@ 127 @ إسقاط حرف الجر أي شيء { يُرِيدُ اللَّهُ أَن * لا * يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِى الاْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } بين تعالى أنَّ ما هم عليه من المسارعة في الكفر هو بإرادة الله تعالى ، أنهم لا يهديهم إلى الإيمان ، فيكون لهم نصيب من نعيم الآخرة . فهذه تسلية منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ) في ترك الحرب ، لأن مراد الله منهم هو ما هم عليه ، ولهم بدل النعيم عذاب عظيم . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : هل قيل : لا يجعل الله لهم حظاً في الآخرة ، وأي فائدة في ذكر الإرادة ؟ ( قلت ) : فائدته الإشعار بأن الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصاً لم يبق معه صارف قط ، حين يسارعون في الكفر تنبيهاً على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه ، حتى أن أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم انتهى . وفيه دسيسة اعتزال لأنه استشعر أن إرادته تعالى أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة موجبة ، أن سبب ذلك هو مريد له تعالى وهو : الكفر . ومن مذهبه أنه تعالى لا يريد الكفر ولا يشاؤه ، فتأول تعلق إرادته بانتفاء حظهم من الآخرة بتعلقها بانتفاء رحمته لهم لفرط كفرهم . .
ونقل الماوردي في يريد ثلاثة أقوال : أحدها : أنه يحكم بذلك . والثاني : يريد في الآخرة أن يحرمهم ثوابهم لإحباط أعمالهم بكفرهم . والثالث : يريد يحبط أعمالهم بما استحقوه من ذنوبهم قاله : ابن إسحاق . { إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } هذا عام في الكفار كلهم . وقوله : { وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ } كان عاماً ، فكرر هذا على سبيل التوكيد وإن كان خاصاً بالمنافقين أو المرتدين أو كفار قريش ، فيكون ليس تكريراً على سبيل التأكيد ، بل حكم على العام بأنهم لن يضروا الله شيئاً . ويندرج فيه ذلك الخاص أيضاً ، فيكون الحكم في حقهم على سبيل التأكيد ، ويكون قد جمع للخاص العذاب بنوعية من العظم والألم ، وهو أبلغ في حقهم في العذاب . وجعل ذلك اشتراء . من حيث تمكنهم من قبول الخير والشر ، فآثروا الكفر على الإيمان . { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاِنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } معنى نملي : نمهل ونمد في العمر . والملاءة المدة من الدهر ، والملوان الليل والنهار . ويقال : ملاك الله نعمته ، أي منحكها عمراً طويلاً ، وقرأ حمزة تحسين بتاء الخطاب ، فيكون الذين كفروا مفعولاً أول . ولا يجوز أن يكون : إنما نملي لهم خير ، في موضع المفعول الثاني ، لأنه ينسبك منه مصدر المفعول الثاني في هذا الباب هو الأول من حيث المعنى ، والمصدر لا يكون الذات ، فخرج ذلك على حذف مضاف من الأول أي : ولا تحسبن شأن الذين كفروا . أو من الثاني أي : ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب ، أنَّ الإملاء خير لأنفسهم حتى يصح كون الثاني هو الأول . وخرجه الأستاذ أبو الحسن بن الباذش والزمخشري : على أن يكون إنما نملي لهم خير لأنفسهم بدل من الذين . قال ابن الباذش : ويكون المفعول الثاني حذف لدلالة الكلام عليه ، ويكون التقدير : ولا تحسبن الذين كفروا خيرية إملائنا لهم كائنة أو واقعة . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف صح مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد ؟ ( قلت ) : صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحيّ ، ألا تراك تقول : جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع سكوتك على متاعك انتهى . كلامه وهذا التخريج الذي خرجه ابن الباذش والزمخشري سبقهما إليه الكسائي والفراء ، فالأوجه هذه القراءة التكرير والتأكيد . التقدير : ولا تحسبن الذين كفروا ، ولا تحسبن إنما نملي لهم . قال الفرّاء ومثله : هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم ، أي ما ينظرون إلا أن تأتيهم انتهى . وقدر بعضهم قول الكسائي والفراء فقال : حذف المفعول الثاني من هذه الأفعال لا يجوز عند أحد ، فهو غلط منهما انتهى . .
وقد أشبعنا الكلام في حذف أحد مفعولي ظن اختصارا