@ 119 @ المؤمنين . وأيضاً ففي ذكره النص على نقيض ما حسبوه وهو : كون الشهداء أمواتاً . والبعد عن أن يراد بقوله : يرزقون ، ما يحتمله المضارع من الاستقبال . فإذا سبقه ما يدل على الالتباس بالوصف حالة الإخبار كان حكم ما بعده حكمه ، إذ الأصل في الأخبار أن يكونَ من أسندت إليه متصفاً بذلك في الحال ، إلا إن دلت قرينة على مضي أو استقبال من لفظ أو معنى ، فيصار إليه . .
{ فَرِحِينَ بِمَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي مسرورين بما أعطاهم الله من قربه ، ودخول جنته ، ورزقهم فيها ، إلى سائر ما أكرمهم به ، ولا تعارض بين : فرحين ، وبين { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } في قصة قارون . لأنّ ذاك بالملاذ الدنيوية ، وهذا بالملاذ الأخروية . ولذلك جاء قلْ بفضل الله وبرحمته ، فبذلك فليفرحوا وجاء : { وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } . .
ومن يحتمل أن تكون للسبب ، أي : ما آتاهم الله متسبب عن فضله ، فتتعلق الباء بآتاهم . ويحتمل أن تكون للتبعيض ، فتكون في موضع الحال من الضمير المحذوف العائد على ما ، أي : بما آتاهموه الله كائناً من فضله . ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية ، فتتعلق بآتاهم . وجوّزوا في فرحين أن يكون حالاً من الضمير في يرزقون ، أو من الضمير في الظرف ، أو من الضمير في أحياء ، وأن يكون صفة لأحياء إذا نصب . .
{ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ } وهم : جميع المؤمنين ، أي : يحصل لهم البشرى بانتفاء الخوف والحزن عن أخوانهم المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم في الشهادة ، فهم فرحون بما حصل لهم ، مستبشرون بما يحصل لأخوانهم المؤمنين قاله : الزجاج وابن فورك وغيرهما . وقال قتادة وابن جريج والربيع وغيرهم : هم الشهداء الذين يأتونهم بعد من أخوانهم المؤمنين الذين تركوهم يجاهدون فيستشهدون ، فرحوا لأنفسهم ولمن يلحق بهم من الشهداء ، إذ يصيرون إلى ما صاروا إليه من كرامة الله تعالى . .
قال ابن عطية : وليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة ، بل هي بمعنى استغنى الله واستمجد المرخ والعفار . انتهى كلامه . أما قوله : ليست بمعنى طلب البشارة فصحيح ، وأما قوله : بل هي بمعنى استغنى الله واستمجد المرخ والعفار ، فيعني أنها تكون بمعنى الفعل المجرد كاستغنى بمعنى غني ، واستمجد بمعنى مجد ، ونقل أنه يقال : بشِر الرجل بكسر الشين ، فيكون استبشر بمعناه . ولا يتعين هذا المعنى ، بل يجوز أن يكون مطاوعاً لأفعل ، وهو الأظهر أي : أبشره الله فاستبشر ، كقولهم : أكانه فاستكان ، وأشلاه فاستشلى ، وأراحه فاستراح ، وأحكمه فاستحكم ، وأكنه فاستكنّ ، وأمرّه فاستمرّ ، وهو كثير . وإنما كان هذا الأظهر هنا ، لأنه من حيث المطاوعة يكون منفعلاً عن غيره ، فحصلت له البشر بابشار الله له بذلك . ولا يلزم هذا المعنى إذا كان بمعنى المجرد ، لأنه لا يدل على المطاوعة . ومعنى : من خلفهم ، قد بقوا بعدهم ، وهم قد تقدّموهم إذا كان المعنى بالذين لم يلحقوا الشهداء ، وإن كان المعنيّ بهم المؤمنين فمعنى لم يلحقوا بهم أي : لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم . .
{ أَن لا * خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وجوزوا في إعراب ويستبشرون أن يكون معطوفاً على فرحين ومستبشرين كقوله : ( صافات ويقبضن ) أي قابضات وأن يكون على إضمارهم . والوا للحال ، فتكون حالية من الضمير في فرحين ، أو من ضمير المفعولين في آتاهم ، أو للعطف . ويكون مستأنفاً من باب عطف الجملة الاسمية أو الفعلية على نظيرها . .
وإن هي المخففة من