@ 102 @ الحياة والموت ، لأن قضاءه لا يتبدل . ولا يلزم ذلك في الأعمال ، لأنَّ له أن يفعل ما يشاء انتهى . ورد عليه هذا الفرق بين الموت والحياة وسائر الأعمال ، لأن سائر الأعمال مفروغ منها كالموت والحياة ، فما قدر وقوعه منها فلا بدّ من وقوعه ، وما لم يقدر فيستحيل وقوعه ، فإذاً لا فرق . .
{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } قال الراغب : علق ذلك بالبصر لا بالسمع ، وإنْ كان الصادر منهم قولاً مسموعاً لا فعلاً مرئياً . لما كان ذلك القول من الكافر قصداً منهم إلى عمل يحاولونه ، فخص البصر بذلك كقولك لمن يقول شيئاً وهو يقصد فعلاً يحاوله : أنا أرى ما تفعله . وقرأ ابن كثير والأخوان بما يعملون بالياء على الغيبة ، وهو وعيد للمنافقين . وقرأ الباقون بالتاء على خطاب المؤمنين ، كما قال : لا تكونوا ، فهو توكيد للنهي ووعيد لمن خالف ، ووعد لمن امتثل . .
{ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } تقدم قبل هذا تكذيب الكفار في دعواهم : أنّ من مات أو قتل في سفر وغزو لو كان أقام ما مات وما قتل ، ونهى المؤمنين عن أن يقولوا مثل هذه المقالة ، لأنها سبب للتخاذل عن الغزو وأخبر في هذه الجملة أنه أنْ ثم ما يحذرونه من القتل في سبيل الله أو الموت فيه ، فما يحصل لهم من مغفرة الله ورحمته بسبب ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا ومنافعها ، لو لم يهلكوا بالقتل أو الموت ، وأكد دلك بالقسم . لأن اللام في لئن هي الموطئة للقسم ، وجواب القسم هو : لمغفرة . وكان نكرة إشارة إلى أن أيسر جزء من المغفرة والرحمة خير من الدنيا ، وأنه كاف في فوز المؤمن . وجاز الابتداء به لأنه وصف بقوله من الله . وعطف عليه نكرة ومسوغ الابتداء بها ، كونها عطفت على ما يسوغ به الابتداء . أو كونها موصوفة في المعنى إذ التقدير : ورحمة منه . وثمَّ صفة أخرى محذوفة لا بدّ منها وتقديرها : ورحمة لكم . وخير هنا على بابها من كونها افعل تفضيل ، كما روي عن ابن عباس : خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء . وارتفاع خير على أنه خبر عن قوله : لمغفرة . .
قال ابن عطية وتحتمل الآية أن يكون قوله : لمغفرة إشارة إلى القتل أو الموت في سبيل الله ، فسمى ذلك مغفرة ورحمة ، إذ هما مقترنان به . ويجيء التقدير لذلك : مغفرة ورحمة . وترتفع المغفرة على خبر الابتداء المقدر . وقوله : خير صفة لا خبر ابتداء انتهى قوله . وهو خلاف الظاهر . وجواب الشرط الذي هو إنْ قتلتم محذوف ، لدلالة جواب القسم عليه . وقول الزمخشري : سدَّ مسدَّ جواب الشرط إنْ عنى أنه حذف لدلالته عليه فصحيح ، وإنْ عنى أنه لا يحتاج إلى تقدير فليس بصحيح . وظاهر الآية يدل على أنه جعلت المغفرة والرحمة لمن اتفق له أحد هذين : القتل في سبيل الله ، أو الموت فيه . .
وقال الرازي : لمغفرة من الله إشارة إلى تعبده خوفاً من عقابه ، ورحمة إشارة إلى تعبده لطلب ثوابه انتهى . وليس بالظاهر . وقدم القتل هنا لأنه ابتداء إخبار ، فقدّم الأشرف الأهم في تحصيل المغفرة والرحمة ، إذ القتل في سبيل الله أعظم ثواباً من الموت في سبيله . .
قال الراغب : تضمنت هاتان الآيتان إلزاماً هو جار مجرى قياسين شرطيين اقتضيا الحرص على القتل في سبيل الله تمثيله : إنْ قتلتم في سبيل الله ، أو متّم ، حصلت لكم المغفرة والرحمة ، وهما خير مما تجمعون . فإذاً الموت والقتل في سبيل الله خير مما تجمعون . ولئن متم أو قتلتم فالحشر لكم حاصل . وإذا كان الموت والقتل لا بدّ منه والحشر فنتيجة ذلك أن القتل والموت اللذين يوجبان المغرفة والرحمة خير من القتل والموت اللذين لا يوجبانهما انتهى . .
وقرأ الإبنان والأبوان بضم الميم في جميع القرآن ، وحفص في هذين أو متمم ، ولئن متم ، وكسر الباقون . والضم أقيس وأشهر . والكسر مستعمل كثيراً وهو شاذ في القياس ، جعله المازني من فعل يفعل ، نظير دمت تدوم ، وفضلت تفضل ، وكذا أبو علي ، فحكما عليه بالشذوذ . وقد نقل غيرهما فيه لغتين إحداهما : فعل يفعل ، فتقول مات يموت . والأخرى : فعل يفعل نحو مات يمات ، أصله موت . فعلى هذا ليس بشاذ ، إذ هو مثل خاف يخاف ، فأصله موت يموت . فمن قرأ بالكسر فعلى هذه اللغة ولا شذوذ فيه ، وهي لغة الحجاز يقولون : متم من مات يمات قال الشاعر : % ( عيشي ولا تومي بأن تماتي )