@ 89 @ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ } هذه الجمل التي تضمنت التوبيخ والعتب الشديد . إذ هو تذكار بفرار من فرّ وبالغ في الهرب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ) يدعوه إليه . فمن شدّة الفرار واشتغاله بنفسه وهو يروم نجاتها لم يصغ إلى دعاء الرسول ، وهذا من أعظم العتب حيث فرّ ، والحالة أن رسول الله يدعوه إليه . .
وقرأ الجمهور : تصعدون مضارع أصعد ، والهمزة في أصعد للدخول . أي : دخلتم في الصعيد ، ذهبتم فيه . كما تقول : أصب ح زيد ، أي دخل في الصباح . فالمعنى : إذ تذهبون في الأرض . وتبين ذلك قراءة أبي : إذ تصعدون في الوادي . وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن ومجاهد وقتادة واليزيدي : تصعدون من صعد في الجبل إذا ارتقى إليه . وقرأ أبو حيرة : تصعدون من تصعد في السلم ، وأصله : تتصعدون ، فحذفت إحدى التاءين على الخلاف في ذلك ، أي تاء المضارعة ؟ أم تاء تفعل ؟ والجمع بينهما أنهم أولاً أصعدوا في الوادي لما أرهقهم العدو ، وصعدوا في الجبل . وقرأ ابن محيصن وابن كثير في رواية شبل : يصعدون ولا يلوون بالياء على الخروج من الخطاب إلى الغائب . والعامل في إذا ذكر محذوفة . أو عصيتم ، أو تنازعتم ، أو فشلتم ، أو عفا عنكم ، أو ليبتليكم ، أو صرفكم ، وهذان عن الزمخشري ، وما قبله عن ابن عطية . والثلاثة قبله بعيدة لطول الفصل . والأول جيد ، لأنَّ ما قبل إذ جمل مستقلة يحسن السكوت عليها ، فليس لها تعلق إعرابي بما بعدها ، إنما تتعلق به من حيث أنَّ السياق كله في قصة واحدة . وتعلقه بصرفكم جيد من حيث المعنى ، وبعفا عنكم جيد من حيث القرب . .
ومعنى ولا تلوون على أحد : أي لا ترجعون لأحد من شدة الفرار . لوى بكذا ذهب به . ولوى عليه : كر عليه وعطف . وهذا أشد في المبالغة من قوله : .
أخو الجهد لا يلوي على من تعذرا .
لأنه في الأية نفي عام ، وفي هذا نفي خاص ، وهو على من تعذرا ، وقال دريد بن الصمة : وهل يرد المنهزم شيء وقرىء تلؤن بإبدال واو وهمزة وذلك لكراهة إجتماع الواوين وقياس هذه الواو المضمومة ، أن لاتبدل همزة لأن الضمة فيها عارضة ، ومتى وقعت الواو غير ، وهي مضمومة فلا يجوز الإبدال منها همزة إلا بشرطين أحدهما : أن تكون الضمة لازمة . الثاني : أن لا تكون يمكن تخفيفها بالإسكان . مثال ذلك : فووج وفوول . وغوور . فهنا يجوز فؤوج وقؤول وغؤور بالهمز . ومثل كونها عارضة : هذا دلوك . ومثل إمكان تخفيفها بالإسكان : هذا سور ، ونور ، جمع سوار ونوار . فإنك تقول فيهما : سور ونور . ونبه بعض أصحابنا على شرط آخر وهو لا بد منه ، وهو : أن لا يكون مدغماً فيها نحو : تعود ، فلا يجوز فيه تعوذ بإبدال الواو المضمومة همزة . وزاد بعض النحويين شرطاً آخر وهو : أن لا تكون الواو زائدة نحو : الترهوك وهذا الشرط ليس مجمعاً عليه . وقرأ الحسن : تلون ، وخرجوها على قراءة من همز الواو ، ونقل الحركة إلى اللام ، وحذف الهمزة . قال ابن عطية : وحذفت إحدى الواوين الساكنين ، وكان قد قال في هذه القراءة : هي قراءة متركبة على قراءة من همز الواو المضمومة ، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام انتهى . وهذا كلام عجيب تخيل هذا الرجل أنه قد نقلت الحركة إلى اللام فاجتمع واوان ساكنان ، إحداهما : الواو التي هي عين الكلمة ، والأخرى : واو الضمير . فحذفت إحدى الواوين لأنهما ساكنان ، وهذا قول من لم يمعن في صناعة النحو . لأنها إذا كانت متركبة على لغة من همز الواو ثم نقل حركتها إلى اللام ، فإن الهمزة إذ ذاك تحذف ، ولا يلتقي واوان ساكنان . ولو قال : استثقلت الضمة على الواو ، لأن الضمة كأنها واو ، فصار ذلك كأنه جمع ثلاث واواوت ، فتنقلب الضمة إلى اللام ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الأولى منهما ، ولم يبهم في قوله إحدى الواوين لأمكن ذلك في توجيه هذه القراءة الشاذة ، أما أنْ يبنى ذلك على أنه على لغة من همز على زعمه ، فلا يتصور . ويحتمل أن يكون مضارع ولي وعدي بعلي ، على تضمين معنى العطف . أي : لا تعطفون على أحد . وقرأ