@ 217 @ على نبينا وعليه السلام ، المبالغة في ذم آلهة أبيه قال : { لاِبِيهِ ياأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } ؟ وهذه الجملة خبرية ولا ضرورة تدعو إلى اعتقاد أنه خبر أريد به الدعاء ، وإن كان قد قاله بعض المفسرين . قال : دعاء الله عليهم بالصمم والبكم والعمى جزاء لهم على تعاطيهم ذلك ، فحقق الله فيهم ما يتعاطونه من ذلك وكأنه يشير إلى ما يقع في الآخرة من قوله : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } . وقرأ عبد الله بن مسعود ، وحفصة أم المؤمنين : صماً بكماً عمياً ، بالنصب ، وذكروا في نصبه وجوهاً : أحدها : أن يكون مفعولاً ثانياً لترك ، ويكون في ظلمات متعلقاً بتركهم ، أو في موضع الحال ، ولا يبصرون . حال . الثاني : أن يكون منصوباً على الحال من المفعول في تركهم ، على أن تكون لا تتعدى إلى مفعولين ، أو تكون تعدت إليهما وقد أخذتهما . الثالث : أن يكون منصوباً بفعل محذوف تقديره أعني . الرابع : أن يكون منصوباً على الحال من الضمير في يبصرون ، وفي ذلك نظر . الخامس : أن يكون منصوباً على الذم ، صماً بكماً ، فيكون كقول النابغة : % ( أقارع عوف لا أحاول غيرها % .
وجوه قرود تبتغي من تجادع .
) % .
وفي الوجوه الأربعة السابقة لا يتعين أن تكون الأوصاف الثلاثة من أوصاف المنافقين ، إذ هي متعلقة في العمل بما قبلها ، وما قبلها الظاهر أنه من أوصاف المستوقدين ، إلا إن جعل الكلام في حال المستوقد قد تم عند قوله : { فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ } ، وكان الضمير في نورهم يعود على المنافقين ، فإذ ذاك تكون الأوصاف الثلاثة لهم . وأما في الوجه الخامس فيظهر أنها من أوصاف المنافقين ، لأنها حالة الرفع من أوصافهم . ألا ترى أن التقدير هم صم ، أي المنافقون ؟ فكذلك في النصب . ونص بعض المفسرين على ضعف النصب على الذم ، ولم يبين جهة الضعف ، ووجهه : أن النصب على الذم إنما يكون حيث يذكر الإسم السابق فتعدل عن المطابقة في الإعراب إلى القطع ، وهاهنا لم يتقدم اسم سابق تكون هذه الأوصاف موافقة له في الإعراب فتقطع ، فمن أجل هذا ضعف النصب على الذم . فهم لا يرجعون : جملة خبرية معطوفة على جملة خبرية ، وهي من حيث المعنى مترتبة على الجملة السابقة ومتعقبتها ، لأن من كانت فيه هذه الأوصاف الثلاثة ، التي هي كناية عن عدم قبول الحق ، جدير أن لا يرجع إلى إيمان . فإن كانت الآية في معنيين ، فذلك واضح ، لأن من أخبر الله عنه أنه لا يرجع إلى الإيمان لا يرجع أبداً ، وإن كانت في غير معنيين فذلك مقيد بالديمومة على الحالة التي وصفهم الله بها . قال قتادة ، ومقاتل : لا يرجعون عن ضلالهم ، وقال السدي : لا يرجعون إلى الإسلام ، وقيل : لا يرجعون عن الصم والبكم والعمى ، وقيل : لا يرجعون إلى ثواب الله ، وقيل : عن التمسك بالنفاق ، وقيل : إلى الهدى بعد أن باعوه ، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها ، وأسند عدم الرجوع إليهم لأنه لما جعل تعالى لهم عقولاً للهداية ، وبعث إليهم رسلاً بالبراهين القاطعة ، وعدلوا عن ذلك إلى اتباع أهوائهم ، والجري على مألوف آبائهم ،