@ 58 @ مخاض بابنة لبون ، ثم حقة ، ثم جذعة ، ثم رباع ، هكذا إلى فوق . وإن كان في النقود فمائة إلى قابل بمائتين ، فإن لم يوفهما فأربعمائة . والأضعاف : جمع ضعف ، وهو من جموع القلة . فلذلك أردفه بالمضاعفة . { وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لما نهاهم عن أمر صعب عليهم فراقه وهو الربا ، أمر بتقوى الله إذ هي الحاملة على مخالفة ما تعوده المرء مما نهي الشرع عنه . ثم ذكر أنّ التقوى سبب لرجاء الفلاح وهو الفوز ، وأمر بها مطلقاً لا مقيداً بفعل الربا ، لأنه لما نهى عن الربا كان المؤمنون أسرع شيء لطواعية الله تعالى ، فلم يأت واتقوا الله في أكل الربا بل أمروا بالتقوى ، لا بالنسبة إلى شيء خاص منعوه من جهة الشريعة . { وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } لما تقدم ( واتقوا الله ) والذوات لا تتقى ، فإنما المتقي محذوف أوضحه في هذه الآية . فقال : واتقوا النار . والألف واللام في النار للجنس ، فيجوز أن تكون النار التي وعد بها آكل الربا أخف من نار الكافر ، أي أعدّ جنسها للكافرين . ويجوز أنّ تكون للعهد ، فيكون آكل الربا قد توعد بالنار التي يعذب بها الكافر . وقيل : توعد أكلة الربا بنارالكفرة ، إذ النار سبع طبقات : العليا منها وهي جهنم للعصاة ، والخمس للكفار ، والدرك الأسفل للمنافقين . فأكلة الربا يعذبون بنار الكفار ، لا بنار العصاة . وقال ابن عباس : هذا تهديد للمؤمنين لئلا يستحلوا الربا . .
وقال الزجاج : والمعنى واتقوا أن تحلوا ما حرم الله فتكفروا . وقيل : اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان وتستوجبون به النار . وكان أبو حنيفة يقول : هي أخوف آية في القرآن ، حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه باجتناب محارمه . قال الزمخشري : وقد أمد ذلك أتبعه بما من تعليق رجاء المؤمن لرحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله ، ومن تأمل هذه الآيات وأمثالها لم يحدث نفسه بالأطماع الفارغة ، والتمني على الله تعالى . وفي ذكره تعالى لعل وعسى في نحو هذه المواضع ، وإن قال الناس ما قالوا ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى ، وصعوبة إصابة رضا الله عز وجل ، وعزّة التوصل إلى رحمته وثوابه انتهى . كلامه وهو جار على مذهبه من تقنيط العاصي غير التائب من رحمة ربه ، وولوعه بمذهبه يجعله يحمل ألفاظ القرآن ما لا يحتمله ، أو ما هو بعيد عنها . وتقدم شرح أعدت للكافرين في أوائل البقرة . .
{ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } قيل : أطيعوا الله في الفرائض ، والرسول في السنن . وقيل : في تحريم الربا ، والرسول فيما بلغكم من التحريم . وقيل : وأطيعوا الله والرسول فيما يأمركم به وينهاكم عنه . فإن طاعة الرسول طاعة الله قال تعالى : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وقال المهدوي : ذكر الرسول زيادة في التبيين والتأكيد والتعريف بأن طاعته طاعة الله . وقال ابن إسحاق : هذه الآية هي ابتداء المعاتبة في أمر أحد ، وانهزام من فرَّ ، وزوال الرماة من مركزهم . وقيل : صيغتها الأمر ومعناها العتب على المؤمنين فيما جرى منهم من أكل الربا ، والمخالفة يوم أحد . والرحمة من الله إرادة الخير لعبيده ، أو ثوابهم على أعمالهم . .
وقد تضمنت هذه الآيات ضروباً من الفصاحة والبديع . من ذلك العام المراد به الخاص : في من أهلك ، قال الجمهور : أراد به بيت عائشة . فالاختصاص في : والله سميع عليم ، وفي : فليتوكل المؤمنون ، وفي : ما في السموات وما في الأرض ، وفي : يغفر لمن يشاء ويعذب من