@ 215 @ النور هو إطفاء النار التي أوقدوها ، ويكون بأمر سماوي ليس لهم فيه فعل ، فلذلك قال الضحاك : لما أضاءت النار أرسل الله عليها ريحاً عاصفاً فاطفأها ، وهذا التأويل يأتي على قول من قال : إنها نار حقيقة أوقدها أهل الفساد ليتوصلوا بها وبنورها إلى فسادهم وعبثهم ، فأخمد الله نارهم وأضل سعيهم ، وأما إذا قلنا إن ذكر النار هنا مثل لا حقيقة لها ، وإن المراد بها نار العداوة والحقد ، فإذهاب الله لها دفع ضررها عن المؤمنين . وإذا كانت النار مجازية ، فوصفها بالإضاءة ما حول المستوقد هو من مجاز الترشيح ، وقد تقدم الكلام فيه . وإذهاب النور أبلغ من إذهاب الضوء لاندراج الأخص في نفي الأعم ، لا العكس . فلو أتى بضوئهم لم يلزم ذهاب النور . والمقصود إذهاب النور عنهم أصلاً ، ألا ترى كيف عقبه بقوله : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ } ؟ وإضافة النور إليهم من باب الإضافة بأدنى ملابسة ، إذ إضافته إلى النار هو الحقيقة ، لكن مما كانوا ينتفعون به صح إضافته إليهم . .
وقرأ الجمهور : في ظلمات بضم اللام ، وقرأ الحس ، وأبر السماك : بسكون اللام ، وقرأ قوم : بفتحها . وهذه اللغى الثلاث جائزة في جمع فعلة الاسم الصحيح العين ، غير المضعف ، ولا المعل اللام بالتاء . فإن اعتلت بالياء نحو : كلية ، امتنعت الضمة ، أو كان مضعفاً نحو : دره ، أو معتل العين نحو : سورة ، أو وصفاً نحو : بهمة امتنعت الفتحة والضمة . وقرأ قوم : إن ظلمات ، بفتح اللام جمع ظلم ، الذي هو جمع ظلمة . فظلمات على هذا جمع جمع ، والعدول إلى الفتح تخفيفاً أسهل من ادعاء جمع الجمع ، لأن العدول إليه قد جاء في نحو : كسرات جمع كسرة جوار ، أو إليه في نحو : جفنة وجوباء . وفعلة وفعلة أخوات ، وقد سمع فيها الفتح بالقيود التي تقدمت ، وجمع الجمع ليس بقياس ، فلا ينبغي أن يصار إليه إلا بدليل قاطع . وقرأ اليماني : في ظلمة ، على التوحيد ليطابق بين إفراد النور والظلمة وقراءة الجمع ، لأن كل واحد له ظلمة تخصه ، فجمعت لذلك . وحيث وقع ذكر النور والظلمة في القرآن جاء على هذا المنزع من إفراد النور وجمع الظلمات . وسيأتي الكلام على ذلك ، إن شاء الله . ونكرت الظلمات ولم تضف إلى ضميرهم كما أضيف النور اكتفاء بما دل عليه المعنى من إضافتها إليهم من جهة المعنى واختصار اللفظ ، وإن كان ترك متعدياً لواحد فيحتمل أن يكون : في ظلمات ، في موضع الحال من المفعول ، فيتعلق بمحذوف ، ولا يبصرون : في موضع الحال أيضاً ، إما من الضمير في تركهم وإمّا من الضمير المستكن في المجرور فيكون حالاً متداخلة ، وهي في التقديرين حال مؤكدة . ألا ترى أن من ترك في ظلمة لزم من ذلك أنه لا يبصر ؟ وإن كان ترك مما يتعدى إلى اثنين كان في ظلمات في موضع المفعول الثاني ، ولا يبصرون جملة حالية ؟ ولا يجوز أن يكون في ظلمات في موضع الحل ، ولا يبصرون جملة في موضع المفعول الثاني ، وإن كان يجوز ظننت زيداً منفرداً لا يخاف ، وأنت تريد ظننت زيداً في حال انفراده لا يخاف لأن المفعول الثاني أصله خبر لمبتدأ ، وإذا كان كذلك فلا يأتي الخبر على جهة التأكيد ، إنما ذلك على سبيل بعض الأحوال لا الإخبار . فإذا جعلت في ظلمات في موضع الحال كان قد فهم منها أن من هو في ظلمة لا يبصر ، فلا يكون في قوله لا يبصرون من الفائدة إلا التوكيد ، وذلك لا يجوز في الإخبار . ألا ترى إلى تخريج النحويين قول امرىء القيس : % ( إذا ما بكى من خلفها انحرفت له % .
بشق وشق عندنا لم يحول .
) % .
على أن وشق مبتدأ وعندنا في موضع الخبر ، ولم يحول جملة حالية أفادت التأكيد ، وجاز الابتداء بالنكرة لأنه موضع الخبر ، لأنه يؤدي إلى مجيء الخبر مؤكداً ، لأن نفي التحويل مفهوم من كون الشق عنده ، فإذا استقر عنده