@ 51 @ حارثة ، وبنو سلمة . وما تحب أنها لم تنزل لقول الله : { وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا } ، قال ذلك جابر لفرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله ، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية ، وأنّ تلك الهمة المصفوح عنها لكونها ليست عزماً ، كانت سبباً لنزولها . وقرأ عبد الله : والله وليهم أعاد الضمير على المعنى لا على لفظ التثنية ، كقوله : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ } { هَاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ } وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب ، بل جاءت مستأنفة لثناء الله على هاتين الطائفتين . .
{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } لما ذكر تعالى ما همت به الطائفتان من الفشل ، وأخبر تعالى أنه وليهما ، ومَنْ كان الله وليه فلا يفوض أمره لا إليه . أمرهم بالتوكل عليه ، وقدم المجرور للاعتناء بمن يتوكل عليه ، أو للاختصاص على مذهب من يرى ذلك . ونبّه على الوصف الذي يقتضي ذلك وهو الإيمان ، لأنَّ مَنْ آمن بالله خير أن لا يكون اتكاله إلا عليه ، ولذلك قال : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } وأتى به عاماً لتندرج الطائفتان الهامّتان وغيرهم في هذا الأمر ، وأن متعلقة من قام به الإيمان . وفي هذا الأمر تحريض على التغبيط بما فعلته الطائفتان من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) والمسير معه . .
{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ } لمّا أمرهم بالتوكل عليه ذكّرهم بما يوجب التوكل عليه ، وهو ما سنى لهم ويسر من الفتح والنصر يوم بدر ، وهم في حال قلة وذلة ، إذ كان ذلك النصر ثمرة التوكل عليه والثقة به . والنصر المشار إليه ببدر بالملائكة ، أو بإلقاء الرعب ، أو بكف الحصى التي رمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، أو بإرادة الله لقوله : { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ } أقوال . .
والجملة من قوله : وأنتم أذلة حال من المفعول في نصركم ، والمعنى : وأنتم أذلة في أعين غيركم ، إذ كانوا أعزة في أنفسهم ، وكانوا بالنسبة إلى عدوهم ، وجميع الكفار في أقطار الأرض عند المتأمل مغلوبين . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ) . .
والأذلة : جمع ذليل . وجمع الكثرة ذلان ، فجاء على جمع القلة ليدل أنهم كانوا قليلين . والذلة التي ظهرت لغيرهم عليهم هي ما كانوا عليه من الضعف وقلة السلاح والمال والمركوب . خرجوا على النواضح يعتقب النفر على البعير الواحد ، وما كان معهم من الخيل إلا فرس واحد ، ومع عدوهم مائة فرس . وكان عدد المسلمين ثلاثمائة رجل وثلاثة عشر رجلاً : سبعة وسبعون من المهاجرين وصاحب رايتهم علي بن أبي طالب ، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار وصاحب رايتهم سعد بن عبادة . وقيل : ثلاثمائة وستة عشر رجلاً . وقيل : ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً . وفي رواية : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً . وكان عدوهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل . وما أحسن قول الشاعر : % ( وقائلة ما بال أسوة عاديا % .
تفانت وفيها قلة وخمول .
) % % ( تعيرنا أنا قليل عديدنا % .
فقلت لها إن الكرام قليل .
) % % ( وما ضرنا أنا قليل وجارنا % .
عزيز وجار الأكثرين ذليل .
) % .
والنصر ببدر هو المشهور الذي قتل فيه صناديد قريش ، وعلى يوم بدر انبنى الإسلام . وكان يوم الجمعة السابع عشر من رمضان لثمانية عشر شهراً من الهجرة . .
{ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أمر بالتقوى مطلقاً . وقيل : في الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وترجيه الشكر إمّا على الأنعام السابق بالنصر يوم بدر ، أو على الأنعام المرجو أنْ يقع . فكأنه قيل : لعلكم ينعم عليكم نعمة أخرى فتشكرونها . وضع الشكر موضع الأنعام لأنه سبب له . .
{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ