@ 42 @ انتفائهما . وألا متعد إلى واحد بحرف الجر ، يقال : ما ألوت في الأمر أي ما قصرت فيه . وقيل : انتصب خبالاً على التمييز المنقول من المفعول ، كقوله تعالى : { وَفَجَّرْنَا الاْرْضَ عُيُوناً } التقدير : لا يألونكم خبالكم ، أي في خبالكم . فكان أصل هذا المفعول حرف الجر . وقيل : انتصابه على إسقاط حرف ، التقدير : لا يألونكم في تخبيلكم . وقيل : انتصابه على أنه مصدر في موضع الحال . قال ابن عطية : معناه لا يقصرون لكم لكم فيما فيه الفساد عليكم . فعلى هذا يكون قد تعدى للضمير على إسقاط اللام ، وللخبال على إسقاط في . وقال الزمخشري : يقال : أَلا في الأمر يألو إذا قصر فيه ، ثم استعمل معدّي إلى مفعولين في قولهم : لا آلوك نصحاً ، ولا آلوك جهداً ، على التضمين . والمعنى : لا أمنعك نصحاً ولا أنقصكه انتهى . .
{ وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } قال ابن جرير : ودّوا إضلالكم . وقال الزجاج : مشقتكم . وقال الراغب : المعاندة والمعانتة يتقاربان ، لكن المعاندة هي الممانعة ، والمعانتة أن تتحرّى مع الممانعة المشقة انتهى . ويقال : عِنت بكسر النون ، وأصله انهياض العظم بعد جبره . وما في قوله : ما عنتم مصدرية ، وهذه الجملة مستأنفة كما قلنا في التي قبلها . وجوّزوا أن يكون نعتاً لبطانة ، وحالاً من الضمير في يألونكم ، وقد معه مرادة . .
{ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْواهِهِمْ } وقرأ عبد الله : قد بدا ، لأنّ الفاعل مؤنث مجازاً أو على معنى البغض ، أي لا يكتفون ببغضكم بقلوبهم حتى يصرحوا بذلك بأفواههم . وذكر الأفواه دون الألسنة إشعاراً بأن ما تلفظوا به يملأ أفواههم ، كما يقال : كلمة تملأ الفم إذا تشدّق بها . وقيل : المعنى لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم وتحاملهم عليها أنْ ينفلتَ من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين انتهى . .
ولمّا ذكر تعالى ما انطووا عليه من ودادهم عنت المؤمنين ، وهو إخبار عن فعل قلبي ، ذكر ما أنتجه ذلك الفعل القلبي من الفعل البدني ، وهو : ظهور البغض منهم للمؤمنين في أقوالهم ، فجمعوا بين كراهة القلوب وبذاذة الألسن . ثم ذكر أنَّ ما أبطنوه من الشر والإيذاء للمؤمنين والبغض لهم أعظم مما ظهر منهم فقال : .
{ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } أي أكثر مما ظهر منها . والظاهر أنَّ بدوَّ البغضاء منهم هو للمؤمنين ، أي اظهروا للمؤمنين البغض . وقال قتادة : قد بدت البغضاء لأوليائهم من المنافقين والكفار لاطلاع بعضهم بعضاً على ذلك . وقيل : بدت بإقرارهم بعد الجحود ، وهذه صفة المجاهر . وأسند الإخفاء إلى الصدور مجازاً ، إذ هي محال القلوب التي تخفي كما قال : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاْبْصَارُ وَلَاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ } . .
{ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاْيَاتِ } أي الدالة على وجوب الإخلاص في الدين ، وموالاة المؤمنين ، ومعاداة الكفار . .
{ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } أي ما بين لكم فعملتم به ، أو إنْ كنتم عقلاء وقد علم تعالى أنهم عقلاء ، لكن علقه على هذا الشرط على سبيل الهزّ للنفوس كقولك : إن كنت رجلاً فافعل كذا . وقال ابن جرير : معناه إن كنتم تعقلون عن الله أمره ونهيه . وقيل : إنْ كنتم تعقلون فلا تصافوهم ، بل عاملوهم معاملة الأعداء . وقيل : معنى إن معنى إذ أي إذ كنتم عقلاء . .
{ هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّهِ } تقدّم لنا الكلام على نظيرها ، أنتم أولاء في قوله : { هأَنتُمْ هَاؤُلاء حَاجَجْتُمْ } قراءة وإعراباً . وتلخيصه هنا أن يكونَ أولاء خبراً عن أنتم ، وتحبونهم مستأنف أو حال أو صلة ، على أن يكون أولاء موصولاً أو خبراً لأنتم ، وأولاء مناداً ، أو يكون أولاء مبتدأ ثانياً ، وتحبونهم خبر عنه ، والجملة خبر عن الأوّل . أو يكون أولاء في موضع نصب نحو : أنا زيداً ضربته ، فيكون من الاشتغال . واسم الإشارة في هذين الوجهين واقع على غير ما وقع عليه أنتم ، لأن أنتم خطاب للمؤمنين ، وأولاء إشارة إلى الكافرين . وفي الأوجه السابقة مدلوله ومدلول أنتم واحد . وهو : المؤمنون . وعلى تقدير الاستئناف في تحبونهم ، لا ينعقد مما قبله مبتدأ وخبر إلا بإضمار وصفٍ تقديره : أنتم أولاء الخاطئون في موالاة غير المؤمنين إذ تحبونهم ولا يحبونكم . بيان لخطئهم في موالاتهم حيثُ يبذلون المحبة لمن يبغضهم ،