@ 38 @ بعض نسائه فلم يأت حتى مضى الليل ، فجاء ومنّا المصلي ومنا المضطجع فقال : ( أبشروا فإنه ليس أحد من أهل الكتاب يصلي هذه الصلاة ) ولهذا السبب ذكر ابن مسعود أن قوله : ليسوا سواء عائد على اليهود وهذه الأمة ، وهو خلاف الظاهر . والظاهر من قوله : وهم يسجدون أنه أريد به السجود في الصلاة . وقيل : عبر بالسجود عن الصلاة تسمية للشيء بجزء شريف منه ، كما يعبر عنها بالركوع قاله : مقاتل ، والفراء ، والزجاج . لأن القراءة لا تكون في الركوع ولا في السجود ، فعلى هذا تكون الجملة في موضع الحال ، أي يتلون آيات الله متلبسين بالصلاة . وقيل : سجود التلاوة . وقيل : أريد بالسجود الخشوع والخضوع . وذهب الطبري وغيره إلى أنها جملة معطوفة من الكلام الأوّل ، أخبر عنهم أيضاً أنهم أهل سجود ، ويحسِّنُهُ أنْ كانت التلاوة في غير صلاة . ويكون أيضاً على هذا التأويل في غير صلاة نعتاً عدد بواو العطف ، كما تقول : جاءني زيد الكريم والعاقل . وأجاز بعضهم في قوله : وهم يسجدون أن يكون حالاً من الضمير في قائمة ، وحالاً من أمة ، لأنها قد وصفت بقائمة . فتلخص في هذه الجملة قولان : أحدهما : أنها لا موضع لها من الإعراب ، بأن تكون مستأنفة . والقول الآخر : أن يكون لها موضع من الإعراب ويكون رفعاً بأن يكون في موضع الصفة ، أو بأن يكون نصباً بأن يكون في موضع الحال ، إما من الضمير في يتلون ، أو من الضمير في قائمة ، أو من أمة . ودلت هذه الآية على الترغيب في قيام الليل ، وقد جاء في كتاب الله : { وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً } { عَدَداً يأَيُّهَا الْمُزَّمّلُ قُمِ الَّيْلَ } . وفي الحديث : ( يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فتركه وقبله ، نعم الرجل عبد الله إلا أنه لا يقوم من الليل ) وغير ذلك كثير . وعن رجل من بني شيبة كان يدرس الكتب قال : إنا نجد كلاماً من كلام الرب عزّ وجل : أيحسب راعي إبل وغنم إذا جنه الليل انجدل كمن هو قائم وساجد الليل . .
{ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ * وَالاْخِرُ * وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } تقدم تفسير مثل هذه الجمل . .
{ وَيُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ } المسارعةُ في الخير ناشئة عن فرط الرغبة فيه ، لأنّ مَنْ رغب في أمر بادر إليه وإلى القيام به ، وآثر الفور على التراخي . وجاء في الحديث : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ، وغناك قبل فقرك ) . .
وصفهم تعالى بأنهم إذا دعوا إلى خير من نصر مظلوم ، وإغاثة مكروب ، وعبادة الله ، بادروا إلى فعله . والظاهر في يؤمنون أن يكون صفة أي تالية مؤمنة . وجوزوا أنْ تكون الجملة مستأنفة ، أو في موضع الحال من الضمير في يسجدون ، وأن تكون بدلاً من السجود . قيل : لأن السجود بمعنى الإيمان . قال الزمخشري : وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات الله بالليل ساجدين ، ومن الإيمان بالله ، لأن إيمانهم به كلا إيمان ، لإشراكهم به عزيراً وكفرهم ببعض الكتب والرسل دون بعض ، ومن الإيمان باليوم الآخر لأنهم يصفونه بخلاف صفته ، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهم كانوا مداهنين ، ومن المسارعة في الخيرات لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها انتهى لامه . وهو حسن . ولمّا ذكر تعالى هذه الأمة وصفها بصفات ست : إحداها : أنها قائمة ، أي مستقيمة على النهج القويم . ولمّا كانت الاستقامة وصفاً ثابتاً لها لا يتغير جاء باسم الفاعل . الثانية : الصلاة بالليل المعبر عنها بالتلاوة والسجود ، وهي العبادة التي يظهر بها الخلو لمناجاة الله بالليل . الثالثة : الإيمان بالله واليوم الآخر ، وهو الحامل على عبادة الله وذكر اليوم الآخر لأنّ فيه ظهور آثار عبادة الله من الجزاء الجزيل . وتضمن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالأنبياء ،