@ 17 @ أي عوجاً منكم وعدم استقامة انتهى . وعلى التأويل الأول يكون عوجاً مفعولاً به ، والجملة من قوله : ( تبغونها عوجاً تحتمل الاستئناف ، وتحتمل أن تكون حالاً من الضمير في تصدُّون أو من سبيل الله ، لأن فيها ضميرين يرجعان إليهما . .
وأنتم شهداء أي بالعقل نحو : ( وألقى السمع وهو شهيد ) أي عارف بعقله ، وتارة بالفعل . نحو قال : ( فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) وتارة بإقامة ذلك ، أي شهدتم بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ) قبل بعثه على ما في التوراة من صفته وصدقه . وقال الزمخشري : وأنتم شهداء أنها سبيل الله التي لا يصدّ عنها إلا ضال مضلٌّ . أو وأنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم ، ويستشهدون في عظام أمورهم ، وهم الأحبار انتهى . قيل : وفي قوله : وأنتم شهداء دلالة على أن شهادة بعضهم على بعض جائزة ، لأنه تعالى سماهم شهداء ، ولا يصدق هذا الإسم إلا على من يكون له شهادة . وشهادتهم على المسلمين لا تجوز بإجماع ، فتعين وصفهم بأن تجوز شهادة بعضهم على بعض ، وهو قول أبي حنيفة وجماعة . والأكثرون على أنَّ شهادتهم لا تقبل بحال ، وأنّهم ليسوا من أهل الشهادة . وما الله بغافل عما تعملون وعيد شديد لهم ، وتقدم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته . .
{ تَعْمَلُونَ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } لمّا أنكر تعالى عليهم صدهم عن الإسلام المؤمنين حذر المؤمنين من إغواء الكفار وإإضلالهم وناداهم بوصف الإيمان تنبيهاً على تباين ما بينهم وبين الكفار ، ولم يأت بلفظ ( قل ) ليكون ذلك خطاباً منه تعالى لهم وتأنيساً لهم . وأبرز نهيه عن موافقتهم وطواعيتهم في صورة شرطية ، لأنه لم تقع طاعتهم لهم . والإشارة ب يا أيها الذين آمنوا إلى الأوس والخزرج بسب ثائرة شاس بن قيس . وأطلق الطواعية لتدل على عموم البدل ، أي أنْ يصدرَ منك طواعية ما في أي شيء كان مما يحاولونه من إضلالكم ، ولم يقيد الطاعة بقصة الأوس والخزرج على ما ذكر في سبب النزول . والردّ هنا التَّصييرُ أي يصيرونكم . والكفر المشار إليه هنا ليس بكفر حقيقة ، لأن سبب النزول هو في إلقاء العداوة بين الأوس والخزرج . ولو وقعت لكانت معصية لا كفراً إلا أن يفعلوا ذلك مستحبين له . وقد يكون ذلك بتحسين أهل الكتاب لهم منهياً بعد منهي ، واستدراجهم شيئاً فشيئاً إلى أن يخرجوا عن الإسلام ويصيروا كافرين حقيقية . وانتصاب كافرين على أنه مفعول ثان ليردّ ، لأنها هنا بمعنى صير كقوله : % ( فرد شعورهنّ السود بيضا % .
وردّ وجوههنّ البيض سودا .
) % .
وقيل : انتصب على الحال ، والقول الأول أظهر . .
{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } هذا سؤال استبعاد وقوع الكفر منهم مع هاتين الحالتين : وهما تلاوة كتاب الله عليهم وهو القرآن الظاهر الإعجاز ، وكينونةَ الرسول فيهم الظاهر على يديه الخوارق . ووجود هاتين الحالتين تنافي الكفر ولا تجامعه ، فلا يتطرّق إليهم كفر مع ذلك . وليس المعنى أنه وقع منهم الكفر فوبخوا على وقوعه لأنهم مؤمنون ، ولذلك نودوا بقوله : يا أيها الذين آمنوا . فليس نظيرُ قوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْواتًا } والرسول هنا : محمد صلى الله عليه وسلم ) بلا خلاف . والخطاب قال الزجاج : لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) خاصة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ) كان فيهم وهم يشاهدونه . وقيل : لجميع الأمة ، لأن آثاره وسنته فيهم ، وإنْ لم يشاهدوه . قال قتادة : في هذه الآية علمان بينان : كتاب الله ، ونبي الله . فأما نبي الله فقد مضى ، وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهرهم رحمة منه ونعمة فيه ، حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته . وقيل : الخطاب