@ 4 @ الذي حرمه إسرائيل هو لحوم الإبل وألبانها ؛ ورواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو قول : الحسن ، وعطاء ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعبد الله بن كثير في آخرين . وقيل : العروق . رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . وهو قول : مجاهد أيضاً ، وقتادة ، والضحاك ، والسِدي ، وأبي مجلز في آخرين . .
قال ابن عباس : عرضت له الآنساء فأضنته ، فجعل لله إنْ شفاه من ذلك أنْ لا يطعم عرقاً . قال : فلذلك اليهود تنزع العروق من اللحم ، وليس في تحريم العروق قربة فيما يظهر . وروي عن ابن عباس أنَّه حرم العروق ولحوم الإبل . وقيل : زيادتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما على الظهر قاله : عكرمة . وتقدَّم سببُ تحريمه لما حرمه . .
قال ابن عطية : ولم يختلف فيما علمت أنّ سبب التحريم هو بمرض أصابه ، فجعل تحريم ذلك شكراً لله تعالى إنْ شفي . وقيل : هو وجع عرق النسا . وهذا الاستثناء يحتملُ الاتصال والانقطاع ، فإنْ كان متصلاً كان التقدير : إلاّ ما حرَّم إسرائيل على نفسه فحرم عليهم في التوراة ، فليست فيها الزوائد التي افتروها وادعوا تحريمها . وإنْ كان منقطعاً كان التقدير : لكنَّ إسرائيل حرم ذلك على نفسه خاصة ، ولم يحرمه الله على بني إسرائيل . والاتصال أظهر . وظاهر قوله : على نفسه ، أن ذلك باجتهاد منه لا بتحريم من الله تعالى . واستدل بذلك على أن للأنبياء أن يحرموا بالاجتهاد . وقيل : كان تحريمه بإذن الله تعالى . وقيل : يحتمل أنْ يكون التحريم في شرعه كالنذر في شرعنا . وقال الأصم : لعل نفسه كانت مائلة إلى تلك الأنواع فامتنع من أكلها قهراً للنفس وطلباً لمرضاة الله كما يفعله كثيرٌ من الزهاد ، فعبر عن ذلك الامتناع بالتحريم . .
واختلفوا في سبب التحريم للطعام الذي حرمه إسرائيل على بنيه ومن بعدهم من اليهود ، وهذا إذا قلنا : بأنّ الاستثناء متصل . أمّا إذا كان منقطعاً فلم يحرّم عليهم . وقال ابن عطية : حرمها عليهم بتحريم إسرائيل ، ولم يكن محرماً في التوراة ، وروي عن ابن عباس أن يعقوب قال : ( إنْ عافاني اللَّهُ لا يأكله لي ولد . وقال الضحاك : وافقوا أباهم في تحريمه ، لا أنه حرم عليهم بالشرع ، ثم أضافوا تحريمه إلى الشرع فأكذبهم الله تعالى . وقال ابن السائب : حرمه الله عليهم بعد التوراة لا فيها ، وكانوا إذا أصابوا ذنباً عظيماً حُرِّم به عليهم طعام طيب ، أو صبَّ عليهم عذاب ، ويؤكده ( فبظلم ) الآية . .
وقيل : لم يحرم عليهم قبل نزول التوراة ولا بعدها ، ولا بتحريم إسرائيل عليهم ، ولا لموافقته بل قالوا ذلك تحرضاً وافتراء . وقال السدي : لما أنزل الله التوراة حرّم عليهم ما كانوا يحرّمون على أنفسهم قيل نزولها . .
قال الزمخشري : والمعنى أنّ المطاعم كلها لم تزلْ حلالاً لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة ، وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم ، لم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه ، فتبعوه على تحريمه وهو ردٌّ على اليهود وتكذيب لهم حيث أرادوا براءة ساحتهم بما نعى عليهم في قوله : { فَبِظُلْمٍ مّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَاتٍ } الآية . وجحودُ ما غاظهم واشمأزوا منه وامتغضوا . فما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم فقالوا : لسنا بأول مَن حرمت عليه ، وما هو إلا تحريم قديم كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل وهلم جرًّا ، إلى أن انتهى التحريم إلينا فحرمت علينا كما