@ 444 @ الباري تعالى مطلع على ما في الضمائر ، لا يتفاوت علمه تعالى بخفاياها ، وهو مرتب على ما فيها الثواب والعقاب إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . وفي ذلك تأكيد لعدم الموالاة ، وتحذير من ذلك . .
{ وَيَعْلَمُ مَا فِى * السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي } هذا دليل على سعة علمه ، وذكر عموم بعد خصوص ، فصار علمه بما في صدورهم مذكوراً مرتين على سبيل التوكيد ، أحدهما : بالخصوص ، والآخر : بالعموم ، إذ هم ممن في الأرض . .
{ يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فيه تحذير مما يترتب على علمه تعالى بأحوالهم من المجازاة على ما أكنته صدروهم . .
وقال الزمخشري : وهذا بيان لقوله { وَيُحَذّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } لأن نفسه ، وهي ذاته المتميزة من سائر الذوات ، متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم ، فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور ، فهي قادرة على المقدورات كلها ، فكان حقها أن تحذر وتتقي ، فلا يجسر أحد على قبيح ، ولا يقصر عن واجب ، فإن ذلك مطلع عليه لا محالة ، فلا حق به العذاب . إنتهى . وهو كلام حسن ، وفيه التصريح بإثبات صفة العلم ، والقدرة لله تعالى ، وهو خلاف ما عليه أشياخه من المعتزلة ، وموافقة لأهل السنة في إثبات الصفات . .
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا } اختلف في العامل في : يوم ، فقال الزجاج : العامل فيه : ويحذركم ، ورجحه . وقال أيضاً : العامل فيه : المصير . وقال مكي بن أبي طالب : العامل فيه : قدير ، وقال أيضاً : فيه مضمر تقديره اذكر . وقال ابن جرير : تقديره : اتقوا ، ويضعف نصبه بقوله : ويحذركم ، لطول الفصل . هذا من جهة اللفظ ، وأما من جهة المعنى فلأن التحذير موجود ، واليوم موعود ، فلا يصح له العمل فيه ، ويضعف انتصابه : بالمصير ، للفصل بين المصدر ومعموله ، ويضعف نصبه : بقدير ، لأن قدرته على كل شيء لا تختص بيوم دون يوم ، بل هو تعالى متصف بالقدرة دائماً . وأما نصبه باضمار فعل ، فالإضمار على خلاف الأصل . .
وقال الزمخشري : { يَوْمَ تَجِدُ } منصوب : بتود ، والضمير في : بينه ، ليوم القيامة ، حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين تتمنى لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمداً بعيداً . إنتهى هذا التخريأ . .
والظاهر في بادىء النظر حسنه وترجيحه ، إذ يظهر أنه ليس فيه شيء من مضعفات الأقوال السابقة ، لكن في جواز هذه المسألة ونظائرها خلاف بين النحويين ، وهي : إذا كان الفاعل ضميراً عائداً على شيء اتصل بالمعمول للفعل ، نحو : غلام هند ضربت ، وثوبي أخويك يلبسان ، ومال زيد أخذ ، فذهب الكسائي ، وهشام ، وجمهور البصريين : إلى جوزاز هذه المسائل . ومنها الآية على تخريج الزمخشري ، لأن الفاعل : بتودّ ، هو ضمير عائد على شيء اتصل بمعمول : تودّ ، وهو : يوم ، لأن : يوم ، مضاف إلى : تجد كل نفس ، والتقدير : يوم وجدان كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تودّ . .
وذهب الفراء ، وأبو الحسن الأخفش ، وغيره من البصريين إلى أن هذه المسائل وأمثالها لا تجوز ، لأن هذا المعمول فضلة ، فيجوز الاستغناء عنه ، وعود الضمير على ما اتصل به في هذه المسائل يخرجه عن ذلك ، لأنه يلزم ذكر المعمول ليعود الضمير الفاعل على ما اتصل به ، ولهذه العلة امتنع : زيداً ضرب ، وزيداً ظنّ قائماً . والصحيح جواز ذلك قال الشاعر : % ( أجل المرء يستحث ولا يد % .
ري إذا يبتغي حصول الأماني .
) % .
أي : المرء في وقت ابتغائه حصول الأماني يستحث أجله ولا يشعر . .
و : تجد ، الظاهر أنها متعدّية إلى واحد وهو : ما عملت ، فيكون بمعنى نصيب ، ويكون : محضراً ، منصوباً على الحال . وقيل : تجد ، هنا بمعنى : تعلم ، فتتعدّى إلى اثنين ،