@ 442 @ ما ينعقد عليه القلب والضمير ، ولذلك قال ابن عباس : التقية المشار إليها مداراة ظاهرة وقال : يكون مع الكفار أو بين أظهرهم ، فيتقيهم بلسانه ، ولا مودة لهم في قلبه . .
وقال قتادة : إذا كان الكفار غالبين ، أو يكون المؤمنون في قوم كفار فيخافونهم ، فلهم أن يحالفوهم ويداروهم دفعاً للشر وقلبهم مطمئن بالإيمان . .
وقال ابن مسعود : خالطوا الناس وزايلوهم وعاملوهم بما يشتهون ، ودينكم فلا تثلموه وقال صعصعة بن صوحان لأسامة بن زيد : خالص المؤمن وخالق الكافر ، إن الكافر يرضى منك بالخلق الحسن . .
وقال الصادق : التقية واجبة ، إني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فاستتر منه بالسارية لئلا يراني وقال : الرياء مع المؤمن شرك ، ومع المنافق عبادة . .
وقال معاذ بن جبل ، ومجاهد : كانت التقية في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، فأما اليوم فقد أعز الله المسلمين أن يتقوهم بأن يتقوا من عدوهم . .
وقال الحسن : التقية جائزة إلى يوم القيامة ، ولا تقية في القتل وقال مجاهد : إلا أن تتقوا قطيعة الرحم فخالطوهم في الدنيا . .
وفي قوله { إِلا أَن تَتَّقُواْ } التفات ، لأنه خرج من الغيبة إلى الخطاب ، ولو جاء على نظم الأول لكان : إلا أن يتقوا ، بالياء المعجمة من أسفل ، وهذا النوع في غاية الفصاحة ، لأنه لما كان المؤمنون نهوا عن فعل ما لا يجوز ، جعل ذلك في اسم غائب ، فلم يواجهوا بالنهي ، ولما وقعت المسامحة والإذن في بعض ذلك ووجهوا بذلك إيذاناً بلطف الله بهم ، وتشريفاً بخطابه إياهم . .
وقرأ الجمهور : تقاة ، وأصله : وقية ، فأبدلت الواو تاء ، كما أبدلوها في : تجاه وتكاه ، وانقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وهو مصدر على فعلة : كالتؤدة والتخمة ، والمصدر على فعل أو فعلة جاء قليلاً . وجاء مصدراً على غير الصدر ، إذ لو جاء على المقيس لكان : اتقاء ونظير وقوله تعالى : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } وقول الشاعر : % ( ولاح بجانب الجبلين منه % .
ركام يحفر الأرض احتفاراً .
) % .
والمعنى : إلاَّ أن تخافوا منهم خوفاً . وأمال الكسائي : تقاة ، وحق تقاته ، ووافقه حمزة هنا وقرأ ورش بين اللفظين ، وفتح الباقون . .
وقال الزمخشري : إلاَّ أن تخافوا من جهتهم أمراً يجب اتقاؤه وقرىء : تقية . وقيل : للمتقي تقاة وتقية ، كقولهم : ضرب الأمير لمضروبه . انتهى فجعل : تقاة ، مصدراً في موضع اسم المفعول ، فانتصابه على أنه مفعول به لا على أنه مصدر ، ولذلك قدره إلاَّ أن تخافوا أمراً . .
وقال أبو عليّ : يجوز أن يكون : تقاة ، مثل : رماة ، حالاً من : تتقوا ، وهو جمع فاعل ، وإن كان لم يستعمل منه فاعل ، ويجوز أن يكون جمع تقي . انتهى كلامه . .
وتكون الحال مؤكدة لأنه قد فهم معناها من قوله { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ } وتجويز كونه جمعاً ضعيف جدّاً ، ولو كان جمع : تقي ، لكان أتقياء ، كغني وأغنياء ، وقولهم : كمي وكماة ، شاذ فلا يخرجّ عليه ، والذي يدل على تحقيق المصدرية فيه قوله تعالى : { اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } المعنى حق اتقائه ،