@ 429 @ .
{ وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } هم : اليهود والنصارى باتفاق { وَالاْمّيّينَ } هم مشركو العرب ، ودخل في ذلك كل من لا كتاب له { ءأَسْلَمْتُمْ } تقدير في ضمنه الأمر . وقال الزجاج : تهدّد . قال ابن عطية : وهذا احسن ، لأن المعنى : أأسلمتم له أم لا ؟ وقال الزمخشري : يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضى حصوله لا محالة ، فهل أسلمتم أم أنتم على كفركم ؟ وهذا كقولكم لمن لخصت له المسألة ، ولم تبقِ من طرق البيان والكشف طريقاً إلاَّ سلكته ، هل فهمتها لا أمّ لك ؟ ومنه قوله عز وعلا : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر ، وفي هذا الاستفهام استقصار وتغيير بالمعاندة وقلة الإنصاف ، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة ولم يتوقف إذعانه للحق ، وللمعاند بعد تجلي الحجة ما يضرب أسداداً بينه وبين الإذعان ، وكذلك في : هل فهمتها ؟ توبيخ بالبلادة وكله القريحة ، وفي { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه . انتهى كلامه . وهو حسن ، وأكثره من باب الخطابة . .
{ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ } أي إن دخلوا في الإسلام فقد حصلت لهم الهداية ، وعبر بصيغة الماضي المصحوب بقد الدالة على التحقيق مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى ، ومن الظلمة إلى النور . انتهى . .
{ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ } أي : هم لا يضرونك بتوليهم ، وما عليك أنت إلاَّ تنبيههم بما تبلغه إليهم من طلب إسلامهم وانتظامهم في عبادة الله وحده ، وقيل : إنها آية مواعدة منسوخة بآية السيف ، ولا نحتاج إلى معرفة تاريخ النزول ، وإذا نظرت إلى سبب نزول هذه الآيات ، وهو وفود وفد نجران ، فيكون المعنى : فإنما عليك البلاغ بقتالٍ وغيره . .
{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } . وفيه وعيد وتهديد شديد لمن تولى عن الإسلام ، ووعد بالخير لمن أسلم ، إذ معناه : إن الله مطلع على أحوال عبيده فيجازيهم بما تقتضي حكمته . .
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيّينَ } الآية هي في اليهود والنصارى ، قاله محمد بن جعفر بن الزبير وغيره ، وصف من تولى عن الإسلام وكفر بثلاث صفات : .
إحداهما : كفره بآيات الله وهم مقرون بالصانع ، جعل كفرهم ببعض مثل كفرهم بالجميع ، أو يجعل : بآيات الله ، مخصوصاً بما يسبق إليه الفهم من القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم ) . .
الثانية : قتلهم الأنبياء ، وقد تقدّمت كيفية قتلهم في البقرة في قوله { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ } والألف واللام في : النبيين ، للعهد . .
والثالثة : قتل من أمر بالعدل . .
فهذه ثلاثة أوصاف بدىء فيها بالأعظم فالأعظم ، وبما هو سبب للآخر : فأولها : الكفر بآيات الله ، وهو أقوى الأسباب في عدم المبالاة بما يقع من الأفعال القبيحة ، وثانيها : قتل من أظهر آيات الله واستدل بها . والثالث : قتل أتباعهم ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . .
وهذه الآية جاءت وعيداً لمن كان في زمانه صلى الله عليه وسلم ) ، ولذلك جاءت الصلة بالمستقبل ، ودخلت الفاء في خبر : أن ، لأن الموصول ضمن معنى اسم الشرط ، ولما كانوا على طريقة أسلافهم في ذلك ، نسب إليهم ذلك ، ولأنهم أرادوا قتله صلى الله عليه وسلم ) ، فقتل أتباعه