54 - قوله D : { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قرأ أهل المدينة والشام يرتدد بدالين على إظهار التضعيف { عن دينه } فيرجع إلى الكفر .
قال الحسن : علم الله تبارك وتعالى أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم A فأخبر أنه يأتي بقوم يحبهم الله ويحبونه .
واختلفوا في أولئك القوم من هم ؟ قال علي بن أبي طالب Bه و الحسن و قتادة : هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة وذلك أن النبي A لما قبض ارتد عامة العرب إلا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس ومنع بعضهم من الزكاة وهم أبو بكر Bه بقتالهم فكرة ذلك أصحاب النبي A وقال عمر Bه : كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله A : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله و نفسه إلا بحقه وحسابه على الله D ؟ ] فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة حق المال والله لو منعوني [ عناقا ] كانوا يؤدونها إلى رسول الله A لقاتلتهم على منعها .
قال أنس بي مالك Bه : كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة وقالوا : أهل القبلة فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره .
قال ابن مسعود : كرهنا ذلك في الابتداء ثم حمدناه عليه في الانتهاء .
قال أبو بكر بن عياش : سمعت أبا حصين يقول : ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر Bه لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة .
وكان قد ارتد في حياة النبي A ثلاث فرق : .
منهم [ بنو مذحج ] ورئيسهم ذو الخمار عبهلة بن كعب العنسي ويلقب بالأسود وكان كاهنا مشعبذا فتنبأ باليمن واستولى على بلادها فكيف رسول الله A إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النهوض إلى حرب الأسود فقتله فيروز الديلمي على فراشه قال ابن عمر Bه فأتى الخبر النبي A من السماء الليلة التي فيها فقال رسول الله A : [ قتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك قيل : ومن هو ؟ قال : فيروز [ فاز فيروز ] ] فبشر النبي A أصحابه بهلاك الأسود وقبض A من الغد وأتى [ خبر ] مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول بعدما خرج أسامة وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر Bه .
والفرقة الثانية : بنو حنيفة باليمامة ورئيسهم مسيلمة الكذاب [ واسمه ثمامة بن قيس ] وكان قد تنبأ في حياة رسول الله A في آخر سنة عشر وزعم أنه أشرك مع محمد A في النبوة و [ كتب إلى رسول الله A من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإن الأرض نصفها لك وبعث [ بذلك ] إليه مع رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله A : [ أتشهدان أن مسيلمة رسول الله ؟ قالا : نعم قال النبي A ] لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ثم أجاب : من محمد رسول الله A إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ومرض رسول الله A وتوفي فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب في جيش كثير حتى أهلكه الله على يدي وحشي غلام مطعم بن عدي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب بعد حرب شديد ] وكان وحشي يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام .
والفرقة الثالثة : بنو أسد ورئيسهم طليحة بن خويلد بن الوليد وكان طليحة آخر من ارتد وادعى النبوة في حياة النبي A وأول من قوتل بعد وفاة النبي A من أهل / الردة فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إليه فهزمهم خالد بعد قتال شديد وأفلت طليحة فمر على وجهه هاربا نحو الشام ثم إنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه .
وارتد بعد وفاة النبي A [ في خلافة أبي بكر Bه ] خلق كثير حتى كفى الله المسلمين أمرهم في نصر دينه على يدي أبي بكر Bه .
قالت عائشة : توفي رسول الله A وارتدت العرب واشرأب النفاق ونزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها .
وقال قوم : المراد بقوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } هم الأشعريون روي عن عياض بن غنم الأشعري قال : [ لما نزلت هذه الآية : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال رسول الله A : هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري ] وكانوا من اليمن .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن [ علي الكشميهني حدثنا علي بن ] حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة Bه أن رسول الله A قال : [ أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية ] .
وقال الكلبي : هم أحياء من اليمن ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة وثلاثة آلاف من أفياء الناس فجاهدوا في سبيل الله يوم القادسية في أيام عمر Bه .
قوله D { أذلة على المؤمنين } يعني : أرقاء رحماء كقوله D : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } ولم يرد به الهوان بل أراد به أن جانبهم لين على المؤمنين وقيل هو من الذل من قولهم دابة ذلول أنهم متواضعون كما قال الله تعالى : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } { أعزة على الكافرين } أي : أشداء غلاظ على الكفار يعادونهم ويغالبونهم من قولهم : عزه أي غلبه قال عطاء أذلة على المؤمنين : كالولد لوالده وكالعبد لسيده أعزة على الكافرين : كالسبع على فريسته نظيره قوله تعالى : { أشداء على الكفار رحماء بينهم } { يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم } يعني : لا يخافون في الله لوم الناس وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم وروينا عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله A على السمع و الطاعة وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .
{ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } أي محبتهم لله ولين جانبهم للمسلمين وشدتهم على الكافرين من فضل الله عليهم { و الله واسع عليم }