29 - { وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما } سبب نزول هذه الآية أن نساء النبي A سألته شيئا / من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله A وآلى أن لا يقربهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه فقالوا : ما شأنه ؟ وكانوا يقولون : طلق رسول الله A نساءه فقال عمر : لأعلمن لكم شأنه قال : فدخلت على رسول الله A فقلت : يا رسول الله أطلقتهن ؟ قال : لا قلت : يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون : طلق رسول الله A نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن ؟ قال : نعم إن شئت فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله A نساءه فنزلت هذه الآية : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ( النساء - 83 ) فكنت أنا استنبطت ذاك الأمر وأنزل الله آية التخيير وكانت تحت رسول الله A يومئذ تسع نسوة خمس من قريش : عائشة بنت أبي بكر الصديق وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة وغير القرشيات : زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية رضوان الله عليهن فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله A بعائشة وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول الله A وتابعتها على ذلك .
قال قتادة : فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال : { لا يحل لك النساء من بعد } .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أخبرنا عبد الغفار بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أخبرنا مسلم بن الحجاج أخبرنا زهير بن حرب أخبرنا روح بن عبادة أخبرنا زكي بن إسحاق أخبرنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله A فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم قال : فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي A جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا فقال : لأقولن شيئا أضحك النبي A فقال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله A وقال : هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول : لا تسألي رسول الله A شيئا أبدا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ثم نزلت هذه الآية : { يا أيها النبي قل لأزواجك } حتى بلغ : { للمحسنات منكن أجرا عظيما } قال : فبدأ بعائشة فقال : يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال : لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري [ أن النبي A أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت : فلما مضت تسع وعشرون أعدهن دخل علي رسول الله A فقالت : بدأ بي فقلت : يا رسول الله إنك أقسمت ألا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت في تسع وعشرين أعدهن ؟ فقال : إن الشهر تسع وعشرون ] .
واختلف العلماء في هذا الخيار أنه هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن حتى يقع بنفسه الاختيار أم لا ؟ فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم : إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما خيرهن على أنهن إذا اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى : { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } بدليل أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة لا تعجلي حتى تستشيري أبويك وفي تفويض للطلاق يكون الجواب على الفور .
وذهب قوم إلى أنه كان تفويض الطلاق لو اخترن أنفسهن كان طلاقا .
واختلف أهل العلم في حكم التخيير : فقال عمر وابن مسعود وابن عباس : إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء وإن اختارت نفسها يقع طلقة واحدة وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي إلا عند أصحاب الرأي تقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها وعند الآخرين رجعية .
وقال زيد بن ثابت : إذا اختارت الزوج تقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن وبه قال مالك .
وروي عن علي أيضا أنها إذا اختارت زوجها تقع طلقة واحدة وإن اختارت نفسها فطلقة بائنة .
وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمر بن حفص أخبرنا أبي أخبرنا الأعمش أخبرنا مسلم عن مسروق عن [ عائشة قالت : خيرنا رسول الله A فاخترنا الله ورسوله فلم يعد ذلك علينا شيئا ]