52 - قوله D : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } الآية قال ابن عباس و محمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسرين : لما رأى رسول الله A تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم فكان يوما في مجلس قريش فأنزل الله تعالى سورة ( النجم ) فقرأها رسول الله A حتى بلغ قوله : { أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان على لسانه بما كان يحدث به نفسه ويتمناه : ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى ) فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله A في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ويقولون : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر وقالوا : قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإذا جعل لها نصيبا فنحن معه فلما أمسى رسول الله A أتاه جبريل فقال : يا محمد ماذا صنعت ؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله D ! فحزن رسول الله A حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله هذه الآية يعزيه وكان به رحيما وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبي A وبلغهم سجود قريش وقيل : أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا : هم أحب إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل أحد إلا بجوار أو مستخفيا فلما نزلت هذه الآية قالت قريش : ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله A قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم .
قال الله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول } وهو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا { ولا نبي } وهو الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا { إلا إذا تمنى } قال بعضهم : أي : أحب شيئا واشتهاه وحدث به نفسه ما لم يؤمر به { ألقى الشيطان في أمنيته } أي مراده .
وعن ابن عباس قال : إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ووجد إليه سبيلا وما من نبي إلا تمنى أن يؤمن به قومه ولم يتمن ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضى به قومه فينسخ الله ما يلقي الشيطان .
وأكثر المفسرين قالوا : معنى قوله : ( تمنى ) أي : تلا وقرأ كتاب الله تعالى { ألقى الشيطان في أمنيته } أي : في تلاوته قال الشاعر في عثمان حين قتل : .
( تمنى كتاب الله أول ليلة ... وآخرها لاقى حمام المقادر ) .
واختلفوا في أنه كان يقرأ في الصلاة أو في غير الصلاة ؟ فقال قوم : كان يقرأ في الصلاة وقال قوم : كان يقرأ في غير الصلاة فإن قيل كيف يجوز الغلط في التلاوة على النبي A وكان معصوما من الغلط في أصل الدين وقال جل ذكره في القرآن : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } ( فصلت : 42 ) يعني إبليس ؟ .
قيل : قد اختلف الناس في الجواب عنه فقال بعضهم : إن رسول الله A لم يقرأ ولكن الشيطان ذكر ذلك بين قراءته فظن المشركون أن الرسول قرأه .
وقال قتادة : [ أغفى النبي إغفاءة فجرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان ولم يكن له خبر ] .
والأكثرون قالوا : جرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان على سبيل السهو والنسيان ولم يلبث أن نبهه الله عليه .
وقيل : إن شيطانا يقال له أبيض عمل هذا العمل وكان ذلك فتنة ومحنة من الله تعالى يمتحن عباده بمايشاء .
{ فينسخ الله ما يلقي الشيطان } أي : يبطله ويذهبه { ثم يحكم الله آياته } فيثبتها { والله عليم حكيم }