233 - قوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن } يعني : المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن يرضعن خبر بمعنى الأمر وهو أمر استحباب لا أمر ايجاب لأنه لا يجب عليهن الإرضاع إذا كان يوجد من ترضع الولد لقوله تعالى في سورة الطلاق : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ( 6 - الطلاق ) فإن رغبت الأم في الإرضاع فهي أولى من غيرها { حولين كاملين } أي سنتين وذكر الكمال للتأكيد كقوله تعالى : { تلك عشرة كاملة } ( 196 - البقرة ) وقيل إنما قال كاملين لأن العرب قد تسمي بعض الحول حولا وبعض الشهر شهرا كما قال الله تعالى : { الحج أشهر معلومات } ( 197 - البقرة ) وإنما هو شهران وبعض الثالث وقال : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } ( 203 - البقرة ) وإنما يتعجل في يوم وبعض يوم ويقال أقام فلان بموضع كذا حولين وإنما أقام به حولا وبعض آخر فبين الله تعالى أنهما حولان كاملان أربعة وعشرون شهرا واختلف أهل العلم في هذا الحد فمنهم من قال هو حد لبعض المولودين فروى عكرمة وابن عباس Bهما أنها إذا وضعت لستة أشهر فإنها ترضعه حولين كاملين وإن وضعته لسبعة أشهر فإنها ترضعه ثلاثة وعشرين شهرا وإن وضعت لتسعة أشهر فإنها ترضعه أحدا وعشرين شهرا وإن وضعت لعشرة أشهر فإنها ترضعه عشرين شهرا كل ذلك تمام ثلاثين شهرا لقوله تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } ( 15 - الحقاف ) .
وقال قوم : هو حد لكل مولود بأي وقت ولد لا ينقص رضاعه عن حولين إلا باتفاق الأبوين فأيهما أراد الفطام قبل تمام الحولين ليس له ذلك إلا أن يجتمعا عليه لقوله تعالى : { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور } وهذا قول ابن جريج و الثوري ورواية الوالبي عن ابن عباس Bهما وقيل : المراد من الآية : بيان أن الرضاع الذي تثبت به الحرمة ما يكون في الحولين فلا يحرم ما يكون بعد الحولين قال قتادة : فرض الله على الوادات إرضاع حولين كاملين ثم أنزل التخفيف فقال : { لمن أراد أن يتم الرضاعة } أي هذا الرضاعة وليس فيما دون ذلك حد محدود وإنما هو على مقدار صلاجح الصبي وما يعيش به { وعلى المولود له } يعني الأب { رزقهن } طعامهن { وكسوتهن } لباسهن { بالمعروف } أي على قدر الميسرة { لا تكلف نفس إلا وسعها } أي طاقتها { لا تضار والدة بولدها } قرأ ابن كثير وأهل البصرة برفع الراء نسقا على قوله { لا تكلف } وأصله تضارر فأدغمت الراء في الراء وقرأ الآخرون تضار بنصب الراء قالوا : لما أدغمت الراء في الراء حركت إلى أخف الحركات وهو النصب ومعنى الآية { لا تضار والدة بولدها } فينزع الولد منها إلى غيرها بعد فينزع الولد منها إلى غيرها بعد أن رضيت بإرضاعه { ولا مولود له بولده } أي لا تلقيه المرأة إلى أبيه بعدما ألفها تضاره بذلك وقيل معناه { لا تضار والدة } فتكره على ارضاعه إذا كرهت إرضاعه وقبل الصبي من غيرها لأن ذلك ليس بواجب عليها { ولا مولود له بولده } فيحتمل ان تعطى الأم أكثر مما يجب لها إذا لم يرتضع من غيرها .
فعلى هذين القولين أصل الكلمة لا تضارر بفتح الراء الأولى على الفعل المجهول والوالدة والمولود له مفعولان ويحتمل أن يكون الفعل لهما وتكون تضار بمعنى تضار بكسر الراء الأولى على تسمية الفاعل والمعنى { لا تضار والدة } فتأبى أن ترضع ولدها ليشق على أبيه { ولا مولود له } أي لا يضار الأب أم الصبي فينزعه منها ويمنعها من ارضاعه وعلى هذه الأقوال يرجع الإضرار إلى الوالدين يضار كل واحد منهما صاحبه بسبب الولد ويجوز أن يكون الضرار راجعا إلى الصبي أي لا يضار كل واحد منهما الصبي فلا ترضعه الأم حتى يموت أو لاينفق الأب أو ينتزعه من الأم حتى يضر بالصبي فعلى هذا تكون الباء زائدة ومعناه ( لا تضار والدة بولدها ) ولا أب بولده وكل هذه الأقاويل مروية عن المفسرين .
قوله تعالى : { وعلى الوارث مثل ذلك } اختلفوا في هذا الوارث فقال قوم : هو وارث الصبي معناه : وعلى وارث الصبي الذي لو مات الصبي وله مال ورثه مثل الذي كان على أبيه في حال حياته ثم اختلفوا في أي وارث هو من ورثته فقال بعضهم : هو عصبة الصبي من الرجال مثل : الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وبه قال إبراهيم و الحسن و مجاهد و عطاء وهو مذهب سفيان قالوا : إذا لم يكن للصبي ما ينفق عليه أجبرت عصبته الذين يرثونه على أن يسترضعوه وقيل : هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء : وهو قول قتادة وابن أبي ليلى ومذهب أحمد و إسحاق وقالوا : يجبر على نفقته كل وارث قدر ميراثه عصبة كانوا أو غيرهم .
وقال بعضهم هو من كان ذار حم محرم من ورثة المولود فمن ليس بمحرم مثل ابن العم والمولى فغير مراد بالآية وهو قول أبي حنيفة C وذهب جماعة إلى أن المراد بالوارث هو الصبي نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى تكون أجرة رضاعه ونفقته في ماله فإن لم له مال فعلى الأم ولا يجبر على نفقة الصبي إلا الوالدان وهو قول مالك و الشافعي رحمهما الله وقيل هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر عليه مثل ما كان على الأب من أجرة الرضاع والنفقة والكسوة .
وقيل : ليس المراد منه النفقة بل معناه وعلى الوارث ترك المضارة وبه قال الشعبي و الزهري { فإن أراد } يعني الوالدين { فصالا } فطاما قبل الحولين { عن تراض منهما } أي اتفاق من الوالدين { وتشاور } أي يشاورون أهل العلم به حتى يخبروا أن الفطام في ذلك الوقت لا يضر بالولد والمشاورة اتخراج الرأي { فلا جناح عليهما } أي لا حرج عليهما في الفطام قبل الحولين { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم } أي لأولادكم مراضع غير أمهاتهم إذا أبت أمهاتهم أن يرضعنهم أو تعذر لعلة بهن أي : انقطاع لبن أو أردن النكاح { فلا جناح عليكم إذا سلمتم } إلى أنمهاتهم { ما آتيتم } ما سمستم لهن من أجرة الرضاع بقدر ما أرضعن وقيل إذا سلمتم أجور المراضع إليهن بالمعروف قرأ ابن كثير { ما آتيتم } وفي الروم { وما آتيتم من ربا } ( 39 - الروم ) بقصر الألف ومعناه ما فعلتم يقال : أتيت جميلا إذا فعلته فعلى هذه القراءة يكون التسليم بمعنى الطاعة والانقياد لا بمعنى تسليم الأجرة يعني إذا سلمتم لأمره وانقدتم لحكمه وقيل إذا سلمتم للاسترضاع عن تراض واتفاق دون الضرار { واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير }