54 - قوله تعالى { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام } أراد به في مقدار ستة أيام لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن يومئذ يوم ولا شمس ولا سماء قيل : ستة أيام كأيام الآخرة وكل يوم كألف سنة وقيل : كأيام الدنيا قال سعيد بن جبير : كان الله D قادرا على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة فخلقهن في ستة أيام [ تعليما ] لخلقه التثبت والتأني في الأمور وقد جاء في الحديث : [ التأني من الله والعجلة من الشيطان ] .
{ ثم استوى على العرش } قال الكلبي و مقاتل : استقر وقال أبو عبيدة : صعد وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء وأما أهل السنة فيقولون : الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم فيه إلى الله D وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله : { الرحمن على العرش استوى } [ طه - 5 ] كيف استوى ؟ فأطرق رأسه مليا وعلاه الرحضاء ثم قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج .
وروي عن سفيان الثوري و الأوزاعي و الليث بن سعد و سفيان بن عيينة و عبد الله بن المبارك وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة : أمروها كما جاءت بلا كيف .
والعرش في اللغة : هو السرير وقيل : هو ما علا فأظل ومنه عرش الكروم وقيل : العرش الملك .
{ يغشي الليل النهار } قرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر و يعقوب : ( يغشي ) بالتشديد هاهنا وفي سورة الرعد والباقون بالتخفيف أي : يأتي الليل على النهار فيغطيه وفيه حذف أي : ويغشي النهار الليل ولم يذكره لدلالة الكلام عليه وذكر في آية أخرى فقال : { يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل } [ الزمر - 5 ] { يطلبه حثيثا } أي : سريعا وذلك أنه إذا كان يعقب أحدهم الآخر ويخلفه فكأنه يطلبه { والشمس والقمر والنجوم مسخرات } قرأ ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء والخبر والباقون بالنصب وكذلك في سورة النحل عطفا على قوله : ( خلق السموات والأرض ) أي : خلق هذه الأشياء مسخرات أي : مذللات { بأمره ألا له الخلق والأمر } له الخلق لأنه [ خلقهم ] وله الأمر يأمر في خلقه بما يشاء قال سفيان بن عيينة : فرق الله بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر .
{ تبارك الله } أي : تعالى الله وتعظم وقيل : ارتفع والمبارك المرتفع وقيل : تبارك تفاعل من البركة وهي النماء والزيادة أي : البركة تكتسب وتنال بذكره .
وعن ابن عباس قال : جاء بكل بركة وقال الحسن : تجيء البركة من قبله وقيل : تبارك : تقدس والقدس : الطهارة وقيل : تبارك الله أي : باسمه يتبرك في كل شيء وقال المحققون : معنى هذه [ الصفة ] ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال وأصل البركة الثبوت ويقال : تبارك لله ولا يقال : متبارك ولا مبارك لأنه لم يرد به التوقيف { رب العالمين }